للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حال تلك الأرض؛ من باب بغداد إلى أقصى خراسان، واتفق ذلك بجُود الملوك وسَمْحِ الأغنياء، فإنهم يبنون المدارسَ والرِّبَاطَاتِ، ويُوْقِفُونَ عليها العقارات، ويَسْتَدِرُّونَ منها في كل وقت (١) فائد الغلَّات، فيجد الطالب للعلم مأوًى، ولا يعدَم المُقْبِلُ على الله المُعْرِضُ عن الدنيا رِزْقًا.

وعلى الجملة والتفصيل؛ فتلك البلاد، وأولئك الأُمَمُ (٢) هُمُ الناس، والدنيا والآخرة، فمن أراد الدنيا فعليه ببغداد.

قال يونس بن عبد الأعلى: "قال لي الشَّافعي: دخلتَ بغداد؟ قلت: لا، قال: لَمْ تَرَ الدنيا، لو دخلتها لرأيتَ (٣) الدنيا" (٤).

[وَصْفُ مَكَّةَ المُعَظَّمَةِ]:

وإن فيها لمن أراد الآخرة لمنزلة عُلْيَا، وأمَّا من أراد الآخرة فعليه بمكَّة؛ فإنه يرى واديًا وَحِشَ المَنْظَرَةِ (٥)، رَمْلَةٌ هامدة (٦)، لا تُنبت مَرْعًى، محفوفًا بجبلين؛ شرقيًّا: أبو قُبَيْسٍ، وغربيًّا: كَدَاء - ممدودٌ -، حجارة مُسْوَدَّةٌ، وشماريخه في السماء ممتدة، صَعْبُ المرتقى، عديم المرعى، في بطنه بَيْتٌ قد بُني من حجارة سُودٍ؛ غير مُحْكَمَةِ النَّجْرِ، ولا مُرَتَّبَةِ الوضع،


(١) سقطت من (ص).
(٢) في (س) و (د): الناس.
(٣) في (س): رأيت.
(٤) أخرجه الخطيب في مقدمة تاريخ مدينة السَّلام: (١/ ٢٩٢)، وهو في قوت القلوب: (٢/ ١٠٣٧).
(٥) في (ص): المنظر.
(٦) في طرة بـ (س): رملُه هامد.