للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووزيرُ القلب العَقْلُ، وهي إحدى بطانتَيه، والبطانة الأخرى الشهوة.

وقيل: "إن بعض الملوك قال لبعض الصِّدِّيقِين: ألك حاجة؟ قال: ولي تقول ذلك؟ ولي عبدان هما سَيِّدَاكَ، الحرص والهوى" (١).

[أبو الطيِّب اليمني الزاهد]:

وما رأيتُ في رحلتي مَلِكًا إلَّا أبا الطيِّب اليَمَنِيَّ (٢) الزَّاهد؛ فإنه كان مَلِكًا؛ اعتزل الناس كافَّة، واعتكف دائمًا، وتجرَّد عن الدنيا، وقطع العلائق، واقتصر على جِلَفِ الخبز والماء، يأتدمُ بالزيت، لا يأكل شيئا مَرَّتْ عليه يَدٌ، ولا استولى عليه أَحَدٌ بمِلْكٍ، إنَّما كان في أيام القيظ (٣) يخرج إلى "الفَحْصِ" (٤) في الأرض التي لا مِلْكَ لأَحَدٍ عليها، فيجمع الخِطْمِيَّ ثم يدرسه، ويستخرج بَزْرَه (٥) ويدَّخره، ويطحنه ويصنع منه خُبْزًا ويأكله، ويبتاع من تُجَّارِ الرُّوم الزيت يأتدمُ به، وكان يتوخَّى ذلك كله لغلبة الحرام وعمومه لما في أيدي الناس، فكنتَ تراه شَعِثًا قَضِفًا (٦) نَيِّرًا.


(١) شرح أسماء الله الحسنى لأبي القاسم القُشَيري: (ص ٧٥).
(٢) في الأحكام (٢/ ٦٣٩): سعيد المغربي، ولعله تصحيف، وفي بعض نسخ الأحكام: سعيد العربي، وكذلك هو في المنشور من القبس: (٣/ ١١٥٥)، وكذلك هو في نسخة نور عثمانية من القبس، وذُكِرَ هنالك ما ذُكِرَ هنا من طريقته في طلب الحلال، ولم أقف له على ترجمة تفيد في معرفته وتجلية أمره، والله أعلم.
(٣) في (ك): القيض.
(٤) الفحص: خارج البلد، والأحواز التي تليه وتجاوره، وينظر في معناه أيضًا: تاج العروس: (١٨/ ٦٤).
(٥) في (ك): بذره.
(٦) في (ص): قصفًا.