للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُحَدَّثٌ، وإن ألقى ذلك في نفسه خَلْقًا (١) من عنده أو بواسطة الملك فهو إلهام، ويسمَّى -لُغَةً- وَحْيًا، والصوفية تطلقه على أخبارها، فيقولون فيما يجدونه في أنفسهم من هذه الأخبار: "أُوحِيَ إليَّ"، وفي الخواطر التي تأتي بالخبر: "أُوحِيَ إليَّ"، وكَرِهَ ذلك علماءُ الفقه؛ لِمَا فيه من التلبيس على الناس، والتشبيه بالأنبياء في هذا اللفظ المخصوص بالاستعمال فيهم، فإذا أخبرتَ بذلك عن غير الآدمي جاز، كقوله: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النحل: ٦٨]، وقد قال الله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٧].

[وَحْيُ أُمِّ موسى وَحْيُ مشافهة من الملائكة]:

قال الإمامُ الحافظ (٢) : والذي أرى في ذلك أنه كان وَحْيَ مشافهة من الملائكة؛ فإنها أمران، ونهيان، وخبران، وبِشَارَتَانِ، وذلك كله ممَّا لا تستقل (٣) به الأفهام عادة، ولا يقبل من النفس خاطرًا إلا أن يخلقه الله ثابتًا، بحيث لا يكون معه تردد ولا استرابة، فيكون ذلك في القوة كمشافهة الملك به، وذلك كله ممَّا ذكرناه إنما يكون في القلب الممتلئ علمًا، الفارغ شهوة وأملًا، اللَّيِّنِ خشوعًا، الذي قُطعت علائقه عن الدنيا، ووصلت أسبابه بالله تعالى، فاستمرَّ (٤) على ذلك ولم يَطُلْ عليه الأمد؛ فإنه إذا طال


(١) في (ص): خُلُقًا.
(٢) في (ص): قال الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، وفي (ب): قال الإمام.
(٣) في (د): يستقل.
(٤) في (ك) و (ص): واستمر.