للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونَعَى النبيُّ النَّجَاشِيَّ للناس يوم مات فقال: "استغفروا لصاحبكم" (١)، وقد كان على درجة عظيمة من الفضل عند الله؛ بدليل ما كان له عند رسول الله من المنزلة، ولكنه قال: "استغفروا له"، كما يُفعَل بكل مَيِّتٍ فاضل، فإن صادف الدعاءُ ذنبًا كان له فائدة المغفرة، وإن لم يصادف ذنبًا كان له رِفعة الدرجة.

ذِكْرُ التوَّابين من المؤمنين:

[تَوْبَةُ أبي لُبابة]:

تاب الله على أبي لُبابة في ذنبه؛ "وذلك أنه خرج إلى بني قُرَيظة حين حاصرهم النبي، وقد طلبوا من النبي أن يصل إليهم، وكان لهم حَلِيفًا وصاحبًا في الجاهلية، وكانوا له مُكْرِمين، فلمَّا دَخَلَ حِصْنَهم تعلَّقوا به، وجَهِشَ إليه النساء والصبيان، وقالوا له: يا أبا لبابة، ما ترى في نزولنا؟ ففال لهم قولًا جميلًا، ثم أشار إلى حَلْقِه أنه الذبح، وحين فَعَلَها سُقِطَ في يده، وعَلِمَ أنه قد وَاقَعَ كبيرة، فخرج عنهم ولم يرجع إلى النبي ، وسار إلى المسجد ورَبَطَ نفسه بسِلْسِلَةٍ في سارية من سواريه، وأَقْسَمَ ألَّا يأكل طعامًا ولا يشرب شرابًا حتى يتوب الله عليه، وبلغ أمرُه رسولَ الله فقال: لو جاءني لاستغفرت له، فإِذْ (٢) قد صار إلى ما هنالك فسيحكم الله فيه، فأقام كذلك بضع عشرة ليلة حتى سقط كلامه، وكان لا يُرِيمُ تلك الحال إلَّا أوقات الصلوات؛ تأتي أهلُه (٣) فتحلُّه، فإذا قضى عبادته أعادت


(١) أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة : كتاب الجنائز، بابٌ في التكبير على الجنازة، رقم: (٩٥١ - عبد الباقي).
(٢) في (ك): فإنه.
(٣) في (ك) و (ب) و (ص): بنته، ومرَّضها في (د)، والمثبت من طرته.