للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذِكْرُ الله في الأيام المعدودات]:

ثم قال سبحانه: وإذا كنتم ذاكرين فخُصُّوا الأيام المعدودة، وهي أيامُ الرَّمْيِ، على ما بيَّناه في "الأحكام" (١)، فإنَّ ذلك آخِرُ نُسُكِكُمْ.

﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: ٢٠١]؛ خَفَّفَ على الخلق الرجوع عنه إلى الأهل والوطن؛ لمَا علم من علاقة قلوبهم، فأعادهم بأبدانهم، وعَلَّقَ قلوبهم لما عاينوه من مكانهم.

وذلك قوله: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ [البقرة: ١٢٤]، فلا يراه أحدٌ إلا تمنَّى أن يعود إليه، وإن حَمَلَهُ شَوْقُ الأهل وحب الوطن على أن يفارقه.

وقد رأيتُ الفراق وذُقته، وأكلتُه وشربتُه، وساورني وساورتُه؛ فما رأيت فراقًا أبعد مُلْتَقًى، ولا استفالًا أقصى مُرْتقًى من فراق المُحَصَّبِ.

فريقان: منهم جازعٌ بَطْنَ نخلة … وآخرُ منهم قاطعٌ نَجْدَ كَبْكَبِ (٢)

منهم مُشَرِّقٌ إلى الغاية، ومُغَرِّبٌ إلى النهاية، وشَمالي بغير موعد، وجَنوبي ولات حين مرصد، ولا شك - والله أعلم (٣) - أنه عِيَارٌ (٤) لفراق (٥) يوم الموقف، فإنه بين أَخْذٍ إلى الجنة، ومَحْمُولٍ إلى النار، ولا ملتقى أبدًا.


(١) أحكام القرآن: (١/ ١٤٠).
(٢) من الطويل، وهو لامرئ القيس من قصيدة في ديوانه: (ص ١٤).
(٣) قوله: "والله أعلم" لم يرد في (س).
(٤) في (ص): عيان، وأثبت الناسخ: عنوان.
(٥) في (د): بفراق يوم، وفي (س): ليوم الموقف.