قال الإمامُ أبو بكر:"ورأيتُ "بمُنَسْتِيرِ إفريقية" جماعةً على الطريقة المُثلى في العزلة عن الدنيا، أَقَمْتُ عندهم عشرين يومًا فكَأَنِّي في الآخرة؛ طِيبُ عِيشَةٍ، وسلامةُ دِينٍ"(١).
كَرَامَةٌ لزُهَّادِ المُنَسْتِيرِ:
قال الإمامُ الحافظ: "لمَّا دَخَلْتُ المُنَسْتِيرَ سنة أربع وتسعين وأربعمائة؛ أخبرني رؤساؤها العابدون، ومشيختها الزاهدون: أن الروم أَرْسَوا إليهم وطلبُوا شراء الماء منهم، على ما تفعله العرب معهم، فبذلوا لهم المال العظيم فيه فامتنعوا عليهم؛ لأنه عَوْنٌ لهم على غَزْوِ المسلمين، وحبَسَتْهُم الرِّيحُ عندهم أيَّامًا، حتى كادوا يموتون عَطَشًا، فأَخْرَجُوا أناجيلهم وفتَحُوها، وجَأَرُوا واستسقَوا واستشفعُوا، فأنشأ الله السَّحَابَ وأَلْقَحَها، وأمطرهم مَطَرًا عظيمًا، فسُقُوا وشُفِّعُوا، ونَصَبُوا الأنطاع، وجمعوا المياه، وملؤوا جِرَارَهم وجُرُبَهم.
قالوا لي: فلمَّا رأينا ذلك قامت المَشْيَخَةُ المُخْلِصَةُ وقالوا: معاشر المنقطعين إلى الله؛ إن هذه أمة كافرة أخلصت فاستُجِيب لها، فتعال نخلص فيهم لعله يُستجاب لنا، فنشرنا المصاحف وانتدبنا للدعاء؛ أن يُمَكِّنَنَا الله منهم، ولا يفتنَّا بهم، ولا يفتنهم بنا، فأرسل الله رِيحًا بحرية؛ فمحت السَّحاب وأعصفت عليهم، وهَالَ البَحْرُ، وعَظُمَ المَوْجُ، واضطربت القطائع، فكلَّما زادوا مَرْسًى زادت الريحُ، حتى قَطَعَتْ حبالهم، ورَمَتْهُم إلينا واحدةً بعد أُخْرَى، ترمي الأمواجُ بالقِطْعَةِ على الحجارة فتنكسرُ،