للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يقف الأملُ بأهل الدنيا على أغراض ولأسباب، فيقول: رضيتُ، أي: وقفت، ويكون حُكم ذلك حُكم سببه (١)؛ إمَّا عن قناعة، وإمَّا عن حصول أمل، وإمَّا عن عِلْمٍ بتعذُّره، وإمَّا عن تَقِيَّةٍ في (٢) طلبه.

وقد أخبر الله عمَّن أنكر الآخرة وقَنِعَ بالدنيا فقال (٣): ﴿وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا﴾ [يونس: ٧]، أي: لم يَبْقَ لهم في سواها أَمَلٌ.

[[الراضون من الأنبياء والصحابة]]

وقليل من يقف به أملُه على ما يكره عن ما يحب، منهم: أيُّوبُ؛ فإنه أَصْلُ الرضى بالقضاء، ومنهم جماعة لا تُحصى، من أَجَلِّهم سعدُ بن أبي وقَّاص؛ كان مُجَابَ الدعوة بدعوة النبي له في ذلك، قال عبد الله بن السائب: "أتيته (٤) وأنا غلام، فتقدَّمت إليه فعرفني، وقال: أنتَ قارئ مكة؟ قلت: نعم، ورأيتُ الناس يُهرعون إليه، ويسألونه أن يدعو لهم، فقلتُ: هلَّا دعوتَ لنفسك؛ فردَّ الله عليك بَصَرَك (٥)؟ فتبسَّم وقال: يا بُني، قضاءُ الله عندي أحسنُ من بَصرِي" (٦).

وكان عمرانُ بن حُصَين استسقى بطنُه، فبقي مُلْقًى على ظهره ثلاثين سنة، وقد ثُقِبَ له في سرير من جريد (٧)، فكان عليه موضعٌ لقضاء حاجته، فدخل عليه مُطَرِّفُ بن الشِّخِّيرِ (٨) وأخوه العلاء؛ فجعل يبكي لما يرى من


(١) في (د): وسببه.
(٢) في (ك) و (ص) و (ب): من.
(٣) سقط من (ك) و (ب) و (ص).
(٤) في (ك) و (ص) و (ب): فأتيته.
(٥) في (ص): هلَّا دعوت لنفسك أن يرد الله تعالى عليك بصرك.
(٦) قوت القلوب: (٢/ ١٠١٩).
(٧) في (د): جرير.
(٨) في (د): الشخراء.