للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثالث: آثَارُ الصنعة الحديثية وثمارها

وأثمرت هذه العلوم والمعارف التي أتقنها واشتمل عليها أمورًا عدة نذكرها لتُستبان:

الأوَّل: التحذيرُ من الأحاديث الضعيفة والباطلة

وقد عُرِف عن ابن العربي الاهتمام بالحديث الصحيح، والتحذير من الأحاديث الباطلة، ودلالة الناس على مصادر الحديث الصحيح وموارده، حتى يسلم الناس من الابتداع في الدين.

ولم يكن لعلماء الأندلس اعتناءٌ كبير بصحيح الحديث، ولم يكن لعامتهم معرفة بعلم العلل، وتمييزِ الصحيح من السقيم، قال أبو محمد بن يَربوع: "وهؤلاء القرطبيون لم يدخل عندهم من أوَّل ما دخل إلا كتاب أبي داود؛ فالتموا به، وأمَّا الكُتب الصحاح فلم تدخل عندهم إلا بأَخرة، وكانوا بمعزل عن معرفة الصحيح؛ لأنه قد ضُرب بينهم وبين الصناعة بأَسداد، فهم على بُعْدٍ شديد من السَّداد" (١).

قال الإمام ابن العربي : "اعلموا - رَحِمَكُمُ الله - أني قد أعْلَمْتُكُمْ أن الله قَدَّرَ على الخَلْقِ - بِحِرْصِهِمْ على الخَيْرِ، وجَهْلِهِمْ بالحَقِّ - أن يُقَيِّضَ على لِسَانِ الشَّيْطَانِ قومًا يَنَالُون خِدْمَةَ العِلْمِ، وليسوا من أَهْلِهِ، فَيُدْخِلُونَ على رسولِ الله أَحَادِيثَ ما أَنْزَلَ الله بها من سُلْطَانٍ، ويَسُوقُها لهم في مَعْرِضِ الخَيْرِ، وطَرِيقِ الشَّرِّ، حتى تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، ويعمدونها في أَفْعَالِهِمْ، فَيَكُونُ مِنْ خَدَمَةِ الشَّيطان، لا من عُبَّادِ الرَّحْمَنِ، فَحَذَارِ أن يأخذَ العاميُّ من الأحاديث إلا ما جاء في كُتُبِ الإسلام الخَمْسَةِ: البُخَارِيِّ، ومُسْلمٍ، والتِّرْمِذيِّ، وأبي دَاودَ، والنَّسائِي، والمُوَطَّأُ داخل فيها؛ لأنه تاجُها


(١) فهرس ابن خير: (ص ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>