للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستراحةُ إلى الصلاة من أنكاد الدنيا وشُغُوبِها:

ولقد قال الله تعالى لنَبِيِّه وصَفِيِّه : ﴿لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ﴾ [الحجر: ٨٨]، فقد آتيناك من القرآن ما هو خَيْرٌ (١) منهم، حتى قال بعض المُتَزَهِّدَةِ (٢): "إن الله قَبَضَ بَصَرَ مُحَمَّدٍ عن الخَلْقِ، وأَرْسَلَ بَصَرَ موسى إلى الجبل".

وهذا تقصير؛ إنما أرسل الله بَصَرَ موسى على الجبل دِلَالَةً وعِبْرَةً، وقال لرسوله : ولا تحزن على ما فاتك منهم من إِقْبَالٍ عليك، وأَعْلِمْهُم بأنك (٣) نَذِيرٌ بعذاب ينزلُ بهم كنزوله بمن تَقَاسَمَ من قَوْمِ صَالِحِ، وبمن قسَّم كتابنا إليك؛ فآمَنَ ببعضه وكَفَرَ ببعضه، واصْدَعْ بما تؤمر، وأعرض عمَّن لا يَقْبَلُ، فقد كفيناك من يستهزئ بك، ونحن عالمون بضِيقِ صَدْرِك بقولهم، فإن آذَوْكَ بالكلام القبيح فأَسْمِعْنا نَحْنُ مِنْكَ الكَلَامَ الحَسَنَ، ونَاجِنَا في سجودك، فذلك سَلْوَةٌ لك.

لمَّا عَلِمَ الله من استغراق قَلْبِ مُحَمَّدٍ وعِلْمِه، بأنه قد أَقْبَلَ عليه ولم يَبْقَ في قلبه مَحَلُّ لغيره، قال الله له: قِفْ (٤) في هذا المقام واستمر على العبادة، فسيأتيك يَقِينُ ما عندك عِلْمُه، أو يقِينُ ما أخبرناهم به، فيأتيهم يقينُهم على شَكٍّ، ويأتي يَقِينُ النبي على يَقِينٍ سَابِقٍ يَرْدِفُ يَقِينَ مُشَاهَدَةٍ على يَقِينِ تَصْدِيقٍ، وكذلك قال له: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق: ٣٩].


(١) في (د) و (ص): خيرًا.
(٢) هو الإمام أبو القاسم القُشَيري، ينظر: لطائف الإشارات: (٢/ ٢٨٠).
(٣) في (س): أنك.
(٤) في (س) و (ص): وقف.