وقيل: إنَّ ظاهره يُشِيرُ إلى نَوْع من الحَسَدِ الذي يَجِلُّ سليمانُ عنه، فلمَّا كان يُشْكِلُ بُحِثَ عنه وسُئِلَ.
فأمَّا السُّؤَالُ الأوَّل: هل كان بوراثة، أم بسؤاله، أم متنوع؟
فالجوابُ: أنه كان بَعْضُه بسؤال، وبَعْضُه بوراثة، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سبأ: ١٠]، فأَوْرَثَ الله تعالى سليمانَ النبوءةَ وإِسَالَةَ عَيْنِ القِطْرِ، فإنه الأَوَّلُ أو نَوْعٌ منه، وزاده الريحَ تَجْرِي بأمره رُخَاءً حيث أصاب، والجِنَّ وسُخْرَة الطير، فإنها كانت لداود مُسَبِّحَةٌ، وهي لسليمان مُسَبِّحَةٌ مُسَخَّرَةٌ مُسْتَخْدَمَةٌ.
وأمَّا السؤال الثاني: في وجه (١) إِقْدَامِه على طلب الدنيا -وهو مقصود الكتاب- مع ذَمِّها من الله، وبُغْضِه فيها، وحقارتها لديه؟
فالجوابُ: أن ذلك عند العلماء مَحْمُولٌ على أداء حقوق الله، وسياسة مُلْكِه، وترتيب منازل خَلْقِه، وإقامة حُدُودِه، والمحافظة على رُسُومِه، وتعظيم شعائره، وظُهُورِ عبادته، ولُزُومِ طاعته، ونَظْمِ قانون الحُكْمِ النافذ عليهم منه، وتحقيقِ الموعود في أنه يعلم ما لا يعلم أَحَدٌ من خَلْقِه، حسب ما صرَّح بذلك لملائكته، فقال ﷿: ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٩].
[تمثيل: [في تولية يوسف ﵇ على خزائن الأرض]]
وقد قال يُوسُفُ: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾
[يوسف: ٥٥]، لِمَا عَلِمَ من قُوَّةِ نَفْسِه، ورَأَى من تَضْيِيعِ الحَقِّ، وتعطيل