قال الغماري:"وقال - أيضًا - في اسم المخلص من الكتاب المذكور: في الحديث الصحيح عن عائشة ﵂: أن معاوية كتب إليها لتكتب له بما سمعت من رسول الله ﷺ، فكتبتْ إليه بفِقْهِها وثاقب فَهْمِها وعظيم عِلْمِها: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: من التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إليهم، ومن التمس رضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس.
وما كان أحوج معاوية إلى هذه الوصية! فإنه كانت له فَضْلَةُ حِلْم تَسَعُ أخلاق الناس؛ فخَشِيَتْ عليه أن يَنْسَحِبَ حِلْمُه على مسامحةٍ فيما لا يجوز، فما نبَّهت منه غافلًا، ولا ذَكَّرَتْ نَاسِيًا، ولقد ساد وساس، حتَّى وَجَدَ الناسُ فَقْدَه، ولم يَجِدُوا بعده مثله، فإيَّاكم ثم إيَّاكم أن تسمعُوا فيه قَوْلَ المؤرخين فهُم عن الحَقِّ جِدُّ نَاكِبِينَ. اهـ.
فانظر إلى الخبيث كيف حوَّل مراد عائشة ﵂، وقدَّم وأخَّر في الحديث ليوافق هواه وما ادَّعاه؛ من أن سبب ذلك هو حلمه وتجاوزه عن الناس، فإن أوَّل الحديث: من التمس رضى الله بسخط الناس، وهو جعل أوَّله: من التمس رضى الناس، ومقصود عائشة ﵂ تحذيره من اتباع أعوانه وأنصاره من بني أمية والنواصب الشوام، وإغرائهم إيَّاه على أنصار علي وآل بيته.
والمقصود: أنه إذا ذكر أعداء آل البيت لا يذكر إلَّا بالمدح والثناء والكذب؛ كما قال هنا: حتى وجد الناس فَقْدَه، ولم يجدُوا مثله، وكَذَبَ عَدُوُّ الله، وهو يعلم أن عمر بن عبد العزيز كان أفضل من ملء الأرض منه، وأنه خامس الخلفاء ﵃ " (١).