للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا … ليوم كريهة وسِداد ثَغْرِ (١)

فلا يزال يشرب ويُرَدِّدُ هذا البيت حتى يأخذه النوم، وكان أبو حنيفة يسمع جَلَبَتَه كلَّ ليلة (٢)، وكان أبو حنيفة يصلي الليل كلَّه، ففقد أبو حنيفة ليلةً صوتَه فاستخبر عنه، فقيل: أخذه الحرس (٣)، وهو محبوس مُذْ ليالٍ، فلمَّا صلَّى أبو حنيفة الصُّبْحَ من غَدٍ رَكِبَ (٤) بغله (٥)، وجاء الأميرَ فاستأذن عليه؛ فأذِنَ له؛ وألَّا ينزل حتى يطأ البساط، ونزل، فلم يزل الأمير يُوَسِّعُ له في مجلسه حتى أنزله مساويًا له، فقال له: ما حاجتك؟ فقال: إِسْكَافٌ أخذه الحرس منذ لَيَالٍ، يأمر الأمير بتخليته، قال: نعم، وكلُّ من أُخِذَ في (٦) تلك الليلة، فخلَّى جميعهم، فرَكِبَ أبو حنيفة والإسكاف يمشي وراءه، فلمَّا نزل مضى إليه فقال: يا فتى، أضعناك؟ قال: لا، بل حفظتَ ورعيتَ، جزاك الله خيرًا عن حُرمة الجار ورعاية الحق، وتاب الرجلُ عمَّا كان فيه" (٧).

[فضيلةُ السَّتْرِ]:

وليَقْتَدِ في ذلك من السَّتْرِ، وليَهْتَدِ بسَتْرِ الله على العباد مع اطلاعه على عوراتهم، وما (٨) يرى ويعلم من مخالفاتهم، فهو يسترها في الدنيا


(١) من الوافر، وهو مطلع قصيدة لعبد الله العَرْجِي في ديوانه: (ص ٣٤).
(٢) في (ك) و (ص) و (ب) و (د): يوم، وهو الذي في المنشور من تاريخ بغداد، وضبَّب عليه في (د)، والمثبت صحَّحه في طرته.
(٣) في المنشور من تاريخ بغداد (١٥/ ٤٩٧): العسس.
(٤) في (ك) و (ب): وركب.
(٥) في (ص): بغلته.
(٦) سقط من (ك) و (ص) و (ب).
(٧) تاريخ بغداد: (١٥/ ٤٩٦ - ٤٩٧)، وذكرها ابن العربي أيضًا في العارضة: (٨/ ٢١٣ - ٢١٤).
(٨) سقطت من (ك) و (ب).