للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُيَمِّمُونَ شطرها؛ لما فيها من النفع، ولما حوته من التحقيق، وهذه هي المنحة التي سبقتها المحنة، وهو يدل على جَلَدِ ابن العربي وقُوَّتِه، ويدل على غزارة علمه واستبحاره في المعارف، مع الحفظ الوفير، والقدر الخطير.

المبحث الثاني: ولايةُ ابن العربي القضاء

قال ابنُ العربي : "إنِّي لمَّا دُعِيتُ إلى ولاية القضاء قَبِلْتُه مختارًا لثلاثة أوجه:

أحدها: سِرٌّ بيني وبين الله سبحانه.

والثاني: معاينتي للباطل قد دَفَّرَ الأرضَ، فأردتُ أن أُذَفِّرَهَا، تَمَكَّنْتُ فيها منها، وعَمِلْتُ ما يَعْلَمه الله تعالى، ولا أَطْلُبُ مَثُوبَةً من سواه؛ مِنْ كَفِّ الظُّلْمِ والاعتداء، وبَثِّ الأَمْنِ، وحِفْظِ الأموال، وكَفِّ الأطماع، والأَمْرِ بالمعروف، والنَّهْيِ عن المنكر، وفَكِّ الأسير، والتَّحْصِينِ على الخَلْقِ بالسُّور، والمساواة في الحق بين الصغير والكبير، حتى أَرِجَتْ أقطاري، ووَقَعَ السَّمَرُ بأخباري، فضَجَّ العُداة، وضَجِرَ الوُلاة، حين صَفِرَ وِطَابُهم من الحرام، وابيضَّت صحائفهم من الآثام، فدَسُّوا إلى نَفَرٍ من العامَّة، فثارُوا عليَّ، وساروا إليَّ، فنُهِبَتْ دَارِي، وأُخْفِرَ ذِمَامِي وذِمَارِي، وهُمْ قيامٌ ينظرون، لا يُغَيِّرُون ولا يُنْكِرُون، يرون أن مَسْلَحَةً أجدى عليهم من مصلحة، وعَطَبًا أولى بي من سلامة، فانتثلُوا مالي، واستَفَؤُوا شِعاري ودِثاري، وهَدَمُوا مسجدي وداري .. وتعرَّضوا لنفسي فكفَّ الله تعالى أَيْدِيَهُمْ عَنِّي، ولقد وَطَّنْتُهَا على التَّلَفِ .. وأمسيتُ سَلِيبَ الدَّارِ، ولولا ما سبق من حُسْنِ المقدار لكنتُ قَتِيلَ الدَّارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>