للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه، وتَذَكَّرُوا أن ذلك مَسٌّ من عنده؛ فاستبصروا وارتدعوا وزَهَقَ عنهم، ومن كان من إخوانه، مَشَى مع الشيطان في ميدانه.

وعلى القَوْلِ بأن إخوانهم -يعني: من الشياطين-، يكون المعنى: أن الشياطين لا يألون في النَّزْغِ، وهم لا يألون في الاستعاذة، ويتعاركون حتى يغلب حُسْنُ القضاء أو سُوءُ القَدَرِ فيَنْفُذُ الحُكْمُ.

والصحيحُ -عندي- أن المراد به: وإخوانهم، أي: إخوان الشياطين من العصاة؛ يَمُدُّونَ بالمعصية معهم، ولا يستبصرون (١)، ولا يستعيذون، ولا يرجعون، وإن استعاذوا فبألسنتهم، وقلوبهم مشحونة بطاعتهم، مملوءة من مادَّتهم في الشهوات، فهُم إليهم (٢) راجعون، ومعهم مرتبطون.

وإنَّما الحكمة في ذلك أن الله أَعْلَمَ أنه لابد أن يكون للشيطان مجال في قلوب [المؤمنين (٣)]، مع كلِّ أَحَدٍ حالٌ؛ فلكل صَارِمِ نَبْوَةٌ، ولكل عالم (٤) هَفْوَةٌ، ولكل عابد شِرَّةٌ، ولكل عامل (٥) فترَةٌ، ولكل سائر وَقْفَةٌ، ولكل قائل (٦) حُجَّةٌ، وهذا سَيِّدُ البشر يُغَانُ على قلبه الشريف فيتُوبُ من كل ذنب في اليوم مائة مرة (٧)، فكيف بأمثالكم مع ما أنتم عليه في أحوالكم؟


(١) في (د): يستقصرون، وفي (ص): يُقْصِرون.
(٢) في (س): إليه.
(٣) قوله: "مجال في قلوب المؤمنين" سقط من (س) و (ص) و (ز) و (ف).
(٤) في (د): حليم.
(٥) في (د): عالم.
(٦) في (ص): عالم، وفي (س): عامل.
(٧) تقدَّم تخريجه.