للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونَشَأَ مع أبيه "ببيت المقدس"، وكانت لهم (١) دُورٌ وضِيَاعٌ، فتوفي أبوه وهو شابٌّ، فبقي مُدَّةً، ثم جَذَبَتْهُ سَابِقَةٌ سَعِيدِيَّةٌ، فخطفت من قلبه المحبة الدنياوية، وخرج حاجًّا، ثم جاهد ورجع إلى الموطن، فحَبَّسَ إحدى دَارَيْهِ على الطلبة مع مُعْظَمِ ماله، وجَعَلَ النَّظَرَ فيها (٢) إلى يحيى بن مُفَرِّج (٣) شَيْخِ أصحابه، وشَرَطَ أنَّ نَصِيبَه منها (٤) كأَنْصِبَائِهِمْ، وحبَّس الدار الأخرى على الأيتام الذين لا أَبَ لهم، وضَيْعَةً من ضِيَاعِه ليُنْفَقَ عليهم منها، حتى يتعلَّموا القرآن.

وخرج إلى "دمشق" لأجل كونها حينئذ في طاعة المصريين (٥)، واعتكف "بجامع دمشق" أربعين عامًا، وكان يأتيه نصيبُه مع الطلبة فعَيْشُه منه، وتَبَتَّلَ هذه المدة العُظْمَى، وانقطع إلى الله عَالِمًا مُتَعَلِّمًا مُعَلِّمًا، حتى توفي سنة تسعين وأربعمائة، وعليه جُبَّةُ سِمْطٍ سوداء -أخبرني بعضُ


(١) بعده في (س) و (ص) و (ز) و (ف): به، ومرَّضها في (د).
(٢) في (س) و (ز): فيه.
(٣) الإمام العلامة، يحيى بن مُفَرِّج المقدسي، القاضي الرشيد، صاحب المدرسة الشافعية، من كبار أصحاب الإمام نصر بن إبراهيم، وهو من شيوخ ابن العربي، حصر عنده في المناظرة بمدرسته؛ ومعه فيها من جاور المسجد الأقصى من علماء الآفاق، وكان استخلفه الفقيه نصر على مدرسته تلك، وتسمى أيضًا بالمدرسة الناصرية، ينظر: قانون التأويل: (ص ٩١)، والعواصم: (ص ٣٧٢)، والأُنس الجلبل: (٢/ ٧٦).
(٤) في (س) و (ف): فيها.
(٥) يقصد بهم دولة بني عُبَيد الإسماعيلية.