للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: "من حفظها"؛ يعني: في نفسها، "وحافظ عليها" (١)؛ يريد: دَاوَمَ عليها.

ولا يأتي بها صُورَةً بلا رُوحِ؛ فإنَّ المقصود بها إِصْلَاحُ الباطن وتَمْرِينُ الأعضاء في الظاهر؛ باكتساب الذِّلَّةِ، والاعتراف بالعِزِّة (٢) للعَلِيِّ المُتَعَالِي، فلا يستقبلُ القِبْلَةَ بجسده، ويستقبل بقَلْبِه المعاصي أو الدنيا؛ فيتناقض ظاهرُه وباطنُه، فيكون نوعا من النفاق، أو إعراضًا (٣) محضًا عن الله وإقبالًا على غيره، كما قال بعضُ البَطَّالِين (٤):

أراني إذا صَلَّيْتُ يَمَّمْتُ نحوها … بوَجْهِي وإن كان المُصَلِّى وَرَائِيَا

ووالله ما أَدْرِي إذا ما قَضَيْتُها … اثنتين صَلَّيْتُ الضُّحَى أم ثَمَانِيَا

وهذه حالُ الناس مع دنياهم في عبادتهم اليوم، إلا أن الرجل قد يَتَدَبَّرُ ما يقرأ أو يَعْرِضُ له ذِكْرٌ من أَمْرِ الأُخْرَى (٥) فيَلْحَقُه سَهْوٌ، وهذا عند الله عَفْوٌ، ولا يقدر على حَبْسِ القلب على فِعْلِ الصلاة إلَّا صَابِرٌ، كما لا يقدرُ على الدخول فيها إلَّا صَابِر، ولأَجْلِ هذا قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا


(١) أخرجه الإمام مالك في الموطأ من قول عمر : كتاب وقوت الصلاة، وقوت الصلاة، (١/ ١٠٠)، رقم: (٧ - المجلس العلمي الأعلى).
(٢) في (د): بالعز.
(٣) في (د) و (ص): وإعراضًا.
(٤) البيتان من الطويل، ووقع في نسبتها وألفاظها وترتيبها خلاف، فهي للمجنون في ديوانه (ص ١٢٤) بترتيب آخر، وهما في الأمالي: (١/ ٢١٤) منسوبان له أيضًا بتأخير وتقديم، ونُسب الثاني له ابن حجة في قصيدة في خزانة الأدب: (١/ ٤٢٤)، ونُسب الثاني لذي الرُّمَّة، وهو في ديوانه: (٢/ ١٣٠٩).
(٥) في (د): الآخرة.