للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قَرَنَها الله بالصَّبْرِ في قوله: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: ٤٤]، فالصَّبْرُ فَطْمُ النفس عن المعتادات، والصَّلَاةُ استخدام الجوارح في المشقَّات، والتردد بين اختلاف الحالات حتى تَتَمَرَّنَ بتَرْكِ الشهوات (١).

ومن تعظيمها اتخاذُ الأوطان لها؛ وهي المساجد، أَذِنَ اللهُ في ترفيعها، وقد ذكرنا فيها في "شرح الحديث" نَحْوًا من مائة حُكْمٍ، فلتُطْلَبْ (٢) هنالك.

ولم تَزَلِ الشرائع على هذا حتى أَكْرَمَ الله هذه الأمة بأن جعل الأرضَ لها مسجدًا، ولم يكن ذلك لمن قبلها، فالوقتُ كلُّه لها، والمحلُّ كلُّه لها، إلَّا ما استثنى من ذلك، وهو قليل، وجَعَلَ بَيْتَه (٣) قِبْلَةً، وما مَكَّنَ من ذلك أَحَدًا قبل هذه الأمة، وطَهَّرَه حين (٤) خَلَقَه، وأَوْعَزَ (٥) بذلك إلى خَلْقِه، وفي ذلك فوائدُ بينَّاها في "أنوار الفجر".

وكَرَّرَ الاستعانة بالصبر والصلاة عند حلول المكاره، والصَّبْرُ آخرُ الأمْرِ يَأْسًا (٦)؛ فقَدَّمَه الله بالأَمْرِ في أَوَّله أَجْرًا، وقَرَنَه بالصَّلاة استدفاعًا لغير ما نَزَلَ، وتَخْفِيفًا ممَّا (٧) وقع، فيُكَافَأُ بصلاة الله عليه، فما جَعَلَ الله جَزَاءَ الصَّلاةِ إلَّا الصَّلَاةَ، كما جعل جَزَاءَ الذِّكْرِ الذِّكْرَ، فقال تعالى: ﴿اذْكُرُونِي


(١) ينظر: لطائف الإشارات: (١/ ٨٧).
(٢) في (د): فليطلب.
(٣) في (ص): نَبِيَّه.
(٤) في (س): حتى.
(٥) في (د) و (س): أوعد.
(٦) في (س) و (ف): بأسًا.
(٧) في (د) - أيضا -: لما.