للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعَجَبُ مِمَّن يقولُ (١): "إن الحج لا يجب على أهل المغرب"، وهو يسافر من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ، ويخرق البحار، ويقطع المخاوف؛ في مقاصد دينية أو دنياوية، والحالُ واحدة، في الخوف والأمن، والحلال والحرام، وإنفاق المال وإعطائه في الطريق وغيره لمن لا يرضى (٢).

فإن قيل: فإن طَلَبَ منه الظالم في الطريق أو في دخول مكة مالًا؟

قُلنا: قال بعض الناس: "لا يدخل، ولا يعطيه، وليرجع" (٣).

والذي أراه أن يعطي، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلافٌ، فإن الرجل بإجماعٍ من الأمة يجوزُ له أن يمنع عِرْضَه ممَّن ينتهكه بماله، وقالوا:


(١) يقصد به الإمام ابن رشد الكبير، وقد قال ذلك بعد أن استفتاه أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، فقد كتب إليه يسأله: "هل الحج أفضل لأهل الأندلس أم الجهاد؟ فأجابه ابن رشد بقوله: فَرْضُ الحج ساقط على أهل الأندلس في وقتنا هذا لعدم الاستطاعة التي جعلها الله شرطًا في الوجوب، لأن الاستطاعة هي القدرة على الوصول مع الأمن على النفس والمال، وذلك معدوم في هذا الزمان، فبان أن الجهاد الذي لا تُحْصَى فضائله في القرآن والسنة المتواترة والآثار أفضل منه، وأنَّ ذلك أبين من أن يحتاج فيه إلى السؤال عنه"، روضة النسرين لابن صَعْد: (ص ٧١ - ٧٢)، وممَّن قال بقول ابن رُشْدٍ من أكابر المفتين: عبد الحق الصقلي، وابن حمدين، وابن الحاج القرطبي، وأبو بكر الطرطوشي، والمازَري، واللخمي، وغيرهم، ينظر: المعيار: (١/ ٤٣٢ - ٤٣٦).
(٢) أفاد من قول ابن العربي هذا ابنُ صَعْد في روضة النسرين: (ص ٧٢)، والونشريسي في المعيارة (١/ ٤٣٣).
(٣) هو قول الإمام أبي طالب المكي، قوت القلوب: (٣/ ١٢٥٥)، ويشبه أن يكون قول الإمام الشافعي، ينظر: الجامع للقرطبي: (٥/ ٢٢٦ - التركي).