للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأشجارها، وشُقَّتْ بأنهارها، وصُيِّرتْ خزانة للأقوات، وقدِّرَتْ معاشًا للحيوانات، وأُرْسِيَتْ بالجبال ودُحِيَتْ (١)، وهُيِّئَتْ للنبات وأُكرمت، تَحَقَّقَ أن في كل جزء من ذلك عِبْرَةً تستغرقُ الفِكْرَةَ.

والجماداتُ والحيواناتُ إذا نُظِرَ في أصنافها وأنواعها، ودُبِّر اختلافُها واتفاقُها، واشتراكُها فيما تشترك فيه، وانفرادُها، وتسخيرُ بعضها لبعض، وتَقَلُّبُها في الأرض والبحار؛ عَذْبِها ومِلْحِها، صغيرها وكبيرها ومحيطها (٢)، كل ذلك مبهت مفيد، عظيم الملك وسعة القدرة.

والهواء ترى أنه جسم محسوس، وهو غذاء النفس والروح لبعض الحيوانات، وهو قاتلُ الآخرين، أو قاتلُهم عَدَمُ غذائهم، وهو الماء، والأوَّل أصح؛ لأن الماء كما يقتل حيوان البر وإن كان من غذائه، كذلك (٣) الهواء يقتل حيوان الماء.

ولتعجب (٤) من ركوده ثم اضطرابه؛ وهي الريح، وإنزال الغيث من السماء أَمْرٌ معجز، ودليل نَيِّر.

ونفسُ الإنسان وذاتُه أقربها إليه نظرًا، وأكثرها عبرة (٥) - إن فتَّش - عِبَرًا؛ فإنه لم يكن شيئا مذكورًا، ثم كان نطفة من ماء دافق، ثم تردَّد - كما أخبر الله عنه - في أطوار الاجتنان (٦)، حتى أخرجه إلى صفة الإنسان


(١) بعده في (ص): الأرض.
(٢) بعدها في طرة بـ (د): في خـ: وما لها.
(٣) في (س): كان.
(٤) في (د): ليعجب.
(٥) سقطت من (س).
(٦) في (ص): الاجتناء.