للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثانية: طعامه؛ وقد تقدَّم أيضًا بيانُه فيها (١).

الثالثة: هَدْيُه؛ وهو المقصود، فينبغي ألَّا يكون فِعْلُه وحاله (٢) بخلاف كلامه، إن أَمَرَ فلا يُكَذِّبُه لباسُه، ولا يعترض عليه أَكْلُه، بل تكون أحواله الثلاثة متعاضدة.

وقد نظر رافع بن خُدَيج إلى الأمير بالكوفة وهو يَعِظُ فقال: "انظروا إلى أميركم؛ يعظ الناس وعليه ثياب الفُسَّاقِ" (٣)، وكان عليه ثياب رِقَاقٌ.

ونُجَدِّدُ العهد عندكم والتوصية لكم بأن يكون المرء في لباسه ومطعمه ومَشْرَبِه على الحالة الوَسِطَةِ إن وَجَدَ الحلال، فإن لم يجده؛ فعلى الأقل حتَّى لو لم يجد إلَّا ثوبًا من وَرَقِ المَوْزِ أو سَعَفِ النَّخْلِ فليَسْتَتِرْ به.

وليس من الزهد تَرْكُ النِّكاح كما قدَّمنا، إلا أن يكون الرجل لا غَرَضَ له في النساء، ولا يَقْدِرُ على رِزْقِها من الحلال، أو يخاف الفتنة من قِبَلِها؛ فيكون تركُها أولى له.

صَحِبَ رجلٌ عامرَ بن عبد قَيْسٍ في سَفَرٍ، فلمَّا عرَّس القومُ أصلح من متاعه ثم دخل غَيْضَةً، قال: "فصلَّى وجلستُ خلفه، فلمَّا كان من آخر الليل أو في السَّحَرِ قال: اللَّهم إني سألتك ثلاثًا فأعطيتني ثِنْتَيْنِ (٤) ومنعتني واحدة، اللَّهم فأعطينيها حتى أعبدك كما أريد، فلمَّا بَرَقَ الفَجْرُ التفتَ فرآني فقال: أنتَ منذ الليلة تراعيني؟ وشدَّ عليَّ لسانه (٥)، قلت: لَتُخْبِرَنِّي


(١) في القسم الأوَّل من الكتاب.
(٢) في (د) و (ك) و (ص): قوله، وضبَّب عليها في (ص).
(٣) قوت القلوب: (١/ ٤٦٨).
(٤) في (د): اثنتين.
(٥) سقطت من (ك) و (ص).