للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا تحريمُ السؤال للغني فلا خلاف فيه في الجملة، وإن اختلفوا في تفصيله، والذي يكشف القناع أن يُصَرِّحَ بسؤاله، إلَّا أن السلطانَ يسأله الغني والفقير لحقوقهم عنده، فالسؤال اليوم ذِكْرَى، حتى إذا مُنِعَ صَبَرَ (١) وأدَّى الذي عليه، وسأل الله الذي له.

وقد لَبِسَ النبيُّ ثوبًا وهو محتاج إليه؛ فسأله إيَّاه رجلٌ (٢)، فأعطاه له، فلِيمَ على ذلك فقال: "أردتُ أن تكون (٣) كفني" (٤)، فهذا رجلٌ لم يسأل لغَرَضِ الحاجة، وإنَّما سأل لغرض البركة والتَّحَصُّنِ بثَوْبٍ لَبِسَه النبيُّ.

وقد ذَكَرَتِ الصوفيةُ حكايةً جرت: "أن شَقِيقًا (٥) قَدِمَ على إبراهيم بن أدهم من خراسان، فقال له: كيف تركت الفقراء من أصحابك؟ قال: تركتهم؛ إن أُعطوا شكروا، وإن مُنِعُوا صبروا، قال له: كذا (٦) تركتُ كلاب بَلْخ، قال له شقيق: فكيف الفقراء يا أبا إسحاق عندك (٧)؟ قال: الذين إن مُنعوا شكروا، وإن أُعطوا أثَرُوا، فقبَّل رأسه وقال: صدقت يا أستاذ" (٨).

وكلاهما درجتان شريفتان؛ الأولى حالة العُبَّاد، والثانية حالة الزُّهَّاد.


(١) في (ك): صبره.
(٢) في (ص): رجل إيَّاه.
(٣) في (د): يكون.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه عن سهل : كتاب الجنائز، باب من استعد الكفن في زمن النبي فلم ينكر عليه، رقم: (١٢٧٧ - طوق).
(٥) في (ص): شقيقًا البلخي.
(٦) في (ص) و (د): هكذا.
(٧) سقطت من (ك) و (ص).
(٨) الإحياء: (ص ١٥٧٠).