للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخبرهم أنه يُحِبُّهم، وبالمحبة تَتَأَتَّى الآمال؛ فإنها تُزْعِجُ النفس إلى قضاء حاجة المحبوب، وبه قيل للنبي : ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ الذي لا يُغْلَبُ (١)، ﴿الرَّحِيمُ﴾ (٢) الذي عَمَّتْ رحمتُه كل شيء ووَسِعَتْ، وانتهت إلى المُوَحِّدِ والمُلْحِدِ وبلغت، فإن عَدَلَ عن هذا معه واتَّهمه ولم يَثِقْ بمَوْعُودِه؛ فجعل يطلبُ رِزْقَه من حيث لم (٣) يؤمر به، ويُضِيعُ عمله الذي أُمر به؛ فقد نَقَضَ توحيده، وعَدِمَ تسديده.

ولذلك قال العلماء - رحمة الله عليهم -: "إن الله قال لخَلْقِه: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩]، فوَكَلَهم في الثواب إلى العمل، وضمن لهم الرزق فقال: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ [هود: ٦]، وأخبر أنه مُخْتَزَنٌ في السَّماء بقوله: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر: ٢١]، وقال: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: ٢٢]، وأَقْسَمَ على ذلك بقوله: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ [الذاريات: ٢٣] ".

فقوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾: إخبارٌ منه سبحانه أنه لا يعطيه إلَّا على سعيه، وهو مُعْطِي الشيء (٤) في أصله، وواهبُ الإرادة في وصفه، والهادي إليه، والمتفضل به، والمُجازي عليه.


(١) قوله: "الذي لا يغلب" سقط من (ص)، وضرب عليه في (د).
(٢) [الشعراء: ٢١٦].
(٣) في (ك): لم.
(٤) في (ك) و (د) و (ص): السعي، ومرَّضها في (د)، والمثبت صحَّحه بطرته.