للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تركه موكولًا إلى مشيئته، فمن شاء وسَّع رزقه، ومن شاء قَتَرَه، ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: ٣٢]، فلمَّا سمع المؤمنون ذلك أيقنوا بالعلم، واطمأنت نفوسهم بالحق؛ فسلَّموا للمولى حُكْمَه في عبيده، فالأغنياءُ سكنوا إلى المعيشة، وعكفوا على ما بأيديهم من المال، والفقراء قنعوا بقوله: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ﴾، فلم يتجاوزوه، وقالوا: أنت تكفينا أنت، حُكْمُك فينا ماضٍ، وكلنا بك راض، وليس منَّا لما عندك من مُتَقَاضٍ" (١).

وقد بيَّن النبيُّ ذلك للأنصار حين عزَّ عليهم إعطاءُ النبي من الغنائم لسواهم وتركهم، وقالوا: "إذا كان الفَزَعُ دُعِينَا، فإذا كان العطاء نُسِينَا، فجمعهم النبي في قبة من أَدَم، ثم قال: ما حديثٌ بلغني عنكم؟ فصَدَقُوه، فقال: أما ترضون أن يرجع الناس بالشاء والنَّعَم (٢) وترجعون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده لمَا تنقلبون به خيرٌ مما ينقلبون به، فقالوا: رضينا، رضينا" (٣).

وبيَّن الحكمة في ذلك فقال: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾ [الفرقان: ٢٠]؛ استفهامٌ في معنى الأمر عند بعضهم (٤)، وحقيقتُه (٥) التثبيت.


(١) يقارن بما في لطائف الإشارات: (٣/ ٣٦٦ - ٣٦٧).
(٢) في (ص): البعير.
(٣) تقدَّم تخريجه.
(٤) لطائف الإشارات: (٢/ ٦٣١).
(٥) في (ك): حقيقة.