للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: إنه سُلِّيَ حين كان يريد أن يَرْمِيَ نفسه من الجبال غمًّا.

والأوَّل أصح؛ لأنه إنما كان يَهُمُّ بطرح نفسه من الجبل حين أبطأ عنه جبريل شوقًا إليه، وأَسَفًا على انقطاع الوحي عنه (١).

ومنه أيضًا ما يكون نقمة، وكذلك النعمة قد تكون استدراجًا، ولذلك اختلف الناس؛ هل لله على الكافر نعمة أم لا؟

وإذا أردتَ بلاءً مطلقًا فهو معاندة الله، وإذا أردت النعمة المطلقة فهي طاعة الله، وأعظم بلائه المطلق الكفر، وأعظم نعمه المطلقة الإيمان، ولا يُتصوَّر شُكْرٌ في الكفر ولا صَبْرٌ.

وللمعاصي درجات يطول تَعْدَادُها، ولكن إذا نظرنا في مصائب الدين فلا صبر فيها ولا شكر، أمَّا إنه لا صبر فيها؛ فلأجل أنه بَلِيَّةٌ على العبد من قِبَله، يلزمه الخروج عنها بالتوبة، وأمَّا شُكْرُ الله عليها فمحال؛ لأنَّها تُورِثُه (٢) العذاب والبُعْدَ من الله.

وأمَّا مصائب الدنيا فتلك التي يُتصوَّر فيها الصبر كما تقدَّم، وللشكر فيها (٣) وجوه:

الأول: على أن لم تكن أعظم ممَّا هي.


(١) حديثُ هَمِّ رسول الله بالتردي من شواهق الجبال حديثٌ أخرجه البخاري عن الزهري بلاغًا: كتاب التعبير، رقم: (٦٩٨٢ - طوق)، وهو حديث لا يصح لانقطاعه، ينظر: فتح الباري: (١٢/ ٣٥٩).
(٢) في (ب): تورث.
(٣) في (ك) و (ب): فيه.