للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونَظِيرُ الأوَّل قولُه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: ٢٩].

قال قَوْمٌ: معناه: "قاموا بحق الأمر والنهي، فصَحَّ لهم منزلة الرجاء".

وقال آخرون: "إنه لم يستوف لهم كل عمل، ولكنه اقتصر على التلاوة والصلاة والزكاة، فيكون معها الرجاء؛ دن وفع بعد ذلك تقصير".

وقال جماعة من العلماء: "أَشَدُّ آية في كتاب الله قولُه تعالى: ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [المائدة: ٦٨] ".

وقيل: "إن هؤلاء الذين يرجون التجارة هم الرجال الذين يُسَبِّحُونَ في المساجد بالغُدُوِّ والآصال، ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾، ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (١)، ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ ".

وهذا يَقِينٌ، ولكن ما ذكرناه مظنونٌ مَرْجُوٌّ في درجة من الرجاء كما بيَّنَّاه.

ومن الأحاديث الصِّحَاح في معنى الرجاء حديثُ أبي هريرة عن النبي قال: "خلق الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جُزْءًا، وأنزل في الأرض جُزْءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرسُ حافرها عن ولدها خشية أن تُصيبَه" (٢).


(١) [النور: ٣٦].
(٢) تقدَّم تخريجه.