للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاستيلاءُ، وقد بيَّنَّا في كتاب "العواصم من القواصم" (١) تحقيق ذلك كله وطريق النظر فيه، فمن أراده فلينظر هنالك فيه.

وتعدَّى قَوْمٌ فقالوا: "إن ترتيبها يدلُّ على ما يكون في غَدٍ" (٢)، ويتحلَّون بأنَّ الله عَلَّمَهُمْ هذا ودلَّهم عليه، والله قد كذَّبهم فيه برهانًا، وكذَّبهم فيه عيانًا، قال تعالى مُتَمَدِّحًا: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام: ٥٩]، وقال مُتَكَبِّرًا مُتَجَبِّرًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان: ٣٤]، فمن قال: "إنه يشاركه في ذلك أَحَدٌ"، فأَشْرِكْ بين السَّيْفِ وبين عُنُقِه بنِصْفَيْنِ.

ولا يمتنع أن تكون اللذَّة التي تدخل على القلب تتعدَّى إلى الجوارح بسِراية (٣)، كما تتعدَّى اللذة التي تدخل على الجوارح إلى القلب بسراية (٤)، وأنَّ الخلق المؤمنين يرون الله في القيامة؛ فيكون ذلك أفضل نَعِيمٍ عندهم.

قال علماؤنا: "يَقْرُنُ الله برؤيته فَنًّا من الرَّوْح والسرور لم يُعهد مثله، ولا يُقْرَنُ بلذة رؤية محبوب ولا جميل، ولا مَلِكٍ قاهر محسن، ولا بشيء من لَذَّاتِ الدنيا ولو اجتمعوا".

وما يُحكى عن الصوفية في إحالتهم بمحبتهم على الله لِذَاتِه فأكثر تلك الحكايات مصنوعات (٥)، أو لهم فيها تأويلات وأغراض، لو كانت


(١) العواصم: (ص ١٣٣ - ١٣٤).
(٢) ينظر: العواصم من القواصم: (ص ١٧٣).
(٣) في (د): بسراية.
(٤) في (د): بسراتة.
(٥) في (ص): مصوغات.