للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُعْرِضًا ناظرًا لنفسه في الخلاص من الإثم والخيانة لله وللصَّاحب، وخَوْفًا من سوء العاقبة في ارتكاب ذلك، ولم يُبَالِ بمعاقبتها على خلافه لها ما كانت، ألا ترى إلى قوله: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ [يوسف: ٣٣]، فرَضِيَ بالسجن، ولم يرض بدناءة الزنى والخيانة؛ وهذا هو المُلْكُ بالحقيقة.

وقد قال بعض المريدين لبعض العارفين: "أوصني، فقال له: كُنْ (١) مَلِكًا في الدنيا، مَلِكًا في الآخرة".

والمعنى في مُلْكِ الدنيا ما شرحناه، وإذا كان كذلك تَنَقَّلَ (٢) إلى مُلْكِ الآخرة، الذي قال الله فيه: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠].

وكان قَوْلُ يوسف: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾ بعد أن ألقى إليه المَلِكُ أَمْرَ مصر حين قال له: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥]، وإنَّما سأله في ذلك لوجهين:

أحدهما: أنه قد كان قال المَلِكُ: ﴿أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ [يوسف: ٥٤].

الثاني: أنه سأله في ذلك ليضع الحق موضعه، ويُوصِلَ إلى كل أحد حقَّه المحبوس عنه (٣).


(١) في (ص): لتكن.
(٢) في (ك): ينقل.
(٣) لطائف الإشارات: (٢/ ١٩٠).