للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن هذه العلوم مرتبطة بعضها ببعض، ومنها ما لا يصحُّ أن ينفرد عن الآخر، فإنَّ الذي يحمي الشريعة عن البدع بالأدلَّة، ويَفْصِلُ النزاع بين المختلفين في المعاملات؛ لا بدَّ له من القرآن والحديث، بَيْدَ أنه لا يفتقر إلى أن يعلم الكل، بل يكفي المتعلق بالأدلة في الذَّبِّ عن المِلَّةِ أن يَعْلَمَ آيات التوحيد، وهي نَحْوُ العشرة آلاف (١)، ويكفي المتعلق بالأحكام أن يَعْلَمَ الثماني مائة الآية التي جمعناها (٢) نحن في "الأحكام"، ويكفيه من الحديث نحو أَلْفَيْ حديث التي صحَّت عن النبي باتفاق.

وإذا تجرَّد العاملُ للعمل من غير معرفة بهذه الأحكام كلها والدلائل؛ لم نَقُلْ: إنه أفضل من المتجرد للعِلْمِ.

ولا نقول: إنَّ الصحابة الذين تجرَّدوا للخدمة بأفضل من الذين تجرَّدوا لإصلاح الخَلْقِ.

ووَجْهُ التحقيق في ذلك تسمعونه إن شاء الله، وهو:

إنَّ العبادة ممَّا خَفِيَ على الناس تحقيقُها، وتحقيقُ العبادة - عندي -: أن يقوم المرءُ بالقِسْطِ في جميع أقواله وأفعاله، فأَصْلُه ألَّا يعصي، وفَرْعُه ألَّا يخالف السنة في المندوبات وسائر التصرفات، وأن يكون قولُه كلُّه وفعلُه جاريًا على السُّنَّةِ، فلا يتكلم إلَّا بسنة، ولا يعمل إلا بسنة، ويصلي ركعتي الضحى، وأربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء، ويُوتِرُ بثلاث؛ أوَّل الليل أو آخره، ويصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته، ويُقبل على أنواع


(١) كذا قال، وهو سَبْقُ قلم منه، ولعل الكلام يستقيم بقولنا: وهي نحو الألف، والله أعلم.
(٢) في (ك) و (ص) و (ب): جمعنا.