للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بيَّنَّا أنَّه العَدْلُ.

وقال: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ﴾ [يونس: ٤]، يعني: بالعدل.

وهذا ممَّا يُشْكِلُ فإنَّ علماءنا من المتكلمين قالوا: "العَدْلُ وَضْعُ الشيء في موضعه، والجَوْرُ والظلْمُ وضعُه في غير موضعه" (١).

وللباري سبحانه أن يُعَذِّبَ الخَلْقَ بحق مِلْكِه ولو أطاعوه بتوفيقه، ولكنه أخبر أنه لا يفعل بفَضْلِه.

والقِسْطُ الذي أمَرَ به في الوزن هو الأخذُ والإعطاء في المعاملة على طريق المماثلة، ولو كان يَجْزِينَا بمِثْلِ ما عَمِلْنَا لهَلَكْنَا، بل أنعم علينا من فضله، وزادنا من رحمته، فقال: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠]، ولكن الآية محمولة المعنى على وجهين:

أحدهما: أنه يرجع الجزاء بالقسط إلى الجملة، فإنه جزاءُ الخير بالخير، والشر بالشر، قال: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١] وقال: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الروم: ١٠].

ومن يزرعِ الشوكَ لا يحصدْ به العِنَبَا (٢)


(١) أصول الدين لأبي منصور: (ص ١٣٢)، وينظر: المتوسط في الاعتقاد - بتحقيقنا -: (ص ٢٩٥).
(٢) هذا عجز بيت، وصدره: إذا وترت امرأً فاحذر عداوته.
وهو من بحر البسيط، من جملة أبيات لصالح بن عبد القدوس في الحماسة البصرية: (٢/ ٥٩)، وفي ترجمته في تاريخ دمشق: (٢٣/ ٣٥٥)، ونهاية الأرب للنُّوَيري: (٣/ ٨٢)، ومنهم من ينسبها لعبد الله بن معاوية بن جعفر الطالبي.