للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يقهرني على الصناعة (١)، ففَرَرْتُ منه إلى بغداذ، وأَوْقَعَ الله في قلبي طَلَبَ العلم، فلزمت القاضي أبا الطيِّب الطَّبَرِي (٢) " (٣).

قال لي بعضهم: حتَّى كان القاضي أبو الطيب يقول فيه: "إنه حمامة المسجد"، من كثرة ملازمته له.

قال أبو إسحاق: "وكنتُ أخدم طبَّاخًا، فإذا كان العَشِيُّ جئتُ إليه؛ فغسلتُ قُدُورَه، وأشعلت ناره، ورتَّبت طعامه، ثم يأتي المحتسب فيختم عليها، وتوضع على النار، وأُقيم عليها معه، حتى (٤) إذا أَسْحَرَ فكَّ الخاتَم وشرع في البيع، فإذا أصبح وطلعت الشمس ترَكْتُه، ومشيتُ إلى مسجد القاضي أبي الطيِّب إلى العَشِيِّ، هكذا أبدًا؛ أدرسُ ليلًا ونهارًا في مسجدي (٥) ودُكَّانِي، ولا يعود عليَّ إلا ما أقتاتُ به (٦)، وأَتَلَبَّسُ بخَشِنٍ من الثياب، حتَّى رأى القاضي أبو الطيب أنِّي ممَّن حصَّل فأدناني وخزلني (٧) عن السوق، ولم يزل يسعى لي في العُلُوِّ (٨) والمرتبة حتى أعطى الله وفَتَحَ،


(١) في (ك) و (ص): الصباغة.
(٢) أبو الطيب الطبري؛ طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر، (٣٤٨ - ٤٥٠ هـ)، الإمام الكبير، وشيخ العراق، له من المصنفات: "التعليقة"، و"شرح الفروع"، وله غيرها في الأصول والجدل، ترجمته في: تاريخ بغداد: (١٠/ ٤٩١ - ٤٩٣)، وسير النبلاء: (١٧/ ٦٦٨ - ٦٧١)، وطبقات الشافعية: (٥/ ١٢ - ٤٩).
(٣) هذا النص من فوائد ابن العربي التي لم أجدها في كتاب آخر.
(٤) سقطت من (د).
(٥) في (ك): مسجد.
(٦) سقط من (د).
(٧) في (ك): خزنني، وخزل: حبس ومنع وعوَّق، تاج العروس: (٢٨/ ٤٠٦).
(٨) في (ك) و (د) و (ب): العلم.