للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو المظفر الإسفرايني (١): "الدَّلِيلُ على صحة ما قُلْنَا أن الدليل قد قام على أن الباري خالق الأسقام والآفات والجوائح، ولا يقال: إنه شِرِّير، والمسلمون يقتلون الكفار ويَسْتَرِقُّونَهم ولا يكونون بذلك شِرِّيرِين، لمَّا لم يكونوا مُتَعَدِّين، ولكن قد جرى في عُرف الناس أن الخَيِّرَ منهم (٢) من فَعَلَ الخَيْرَ، والشِّرِّير منهم من فَعَلَ الشَّرَّ".

فإذا قلتموه فحَقِّقُوه، واعلَمُوا قَدْرَه ونَزِّلُوه على الاعتقاد الصحيح؛ لئلَّا تَضِلُّوا بموافقة المبتدعة على ما صاروا إليه من النِّحْلَةِ الفاسدة.

فالخَيِّرُ منكم هو المُمْتَثِلُ لِمَا حُدَّ له، والشِّرِّيرُ هو المُتَعَدِّي لما حُدَّ له، فمن كان باطنُه خَيِّرًا في أخلافه وظاهرُه خَيِّرًا في أفعاله فهو الخَيِّرُ.

وقد قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٠].

رُوي في الحديث (٣) الصحيح: "كاد الخَيِّرَانِ أن (٤) يَهْلَكَا - يعني: أبا بكر وعمر -؛ رَفَعَا صوتهما عند النبي حين قَدِمَ عليهما رَكْبُ بني تَمِيم، فأشار أحدُهما بالأَقْرَع بن حَابِس أخي بني مُجاشِع، وأشار الآخَرُ برَجُلٍ آخَرَ، فقال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعُمَرَ: ما أَرَدْتَ إلَّا خِلَافِي، قال: ما أَرَدْتُ، فارتفعت أصواتُهما في ذلك؛ فأنزل الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ﴾ [الحجرات: ٢] الآية، قال ابن الزبير: فما كان عُمَرُ يُسْمعُ رسولَ الله بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني: أبا بكر" (٥).


(١) في (ك) و (ب): الإسفراني.
(٢) في (د): عندهم.
(٣) سقط من (ك).
(٤) سقط من (ك) و (ص).
(٥) أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن أبي مُلَيكة: كتاب التفسير، الحجرات، رقم: (٤٨٤٥ - طوق).