للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقال: "يا من نسي شميم غيري، واستوحش إلى نسيم قُرْبي، واعتزَّ بجلالي؛ اتَّقِ مَكْرِي" (١).

ويقال: "يا من أَنِسَ بي، وسَكَنَ إلى ثوابك مني، وأَجْرُك عليَّ؛ فاتَّقِنِي".

والتقوى جماع الطاعات كما قدَّمنا، وآكَدُها اجتناب الشرك، وأقلُّها خَلْعُ غير الله عن قلبك، ألا تتقون (٢) من ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾، وهو آدَمُ، فنحن مخلوقون منه، وهو مخلوق باليد، وكما أظهر مرتبنه اظهرنا، فقال: ﴿أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ (٣) [البينة: ٧].

ثم قال: ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾، أظهر تعالى الحُجَّةَ على الخلق بأن خَلقَ الشَّكْلَ من الشَّكْلِ، ثمْ قرَّبه منه وقَرنَه وآنسَه به، ﴿وَبَثَّ﴾ بكمال القدرة ﴿مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾، فتعرَّف إليكم على عموم الربوبية بما دلَّ من شواهد القدرة، ورَتَّبَ من دلالات الحكمة حيث خَلَقَ جميع هذا الخلق من شخص واحد، على اختلاف خَلْقِهم وأخلاقهم، وهممهم وأغراضهم، حتى لا يتشابه اثنان منهم في خَلْقٍ ولا خُلقٍ، فدلَّ ذلك على أنه لا نهاية لمقدوراته، ولا غاية لمعلوماته.

ثم قال - في المُوَفِّي خمسين (٤) -: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [النساء: ١]، فإنه من قَطعَ الرَّحِمَ قطع الله، ومن وصلها وصل الله، والله رقيبٌ على الكُلِّ (٥)، كما تقدَّم بيانُه.


(١) لطائف الإشارات: (١/ ٣١٢).
(٢) في (ك) و (ب) و (ص): تتقوني.
(٣) لطائف الإشارات: (١/ ٣١٢).
(٤) في (ك) و (ب): التاسع والأربعون.
(٥) في (ك): الكمال.