للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا صحيح؛ فإنه إذا خاف على نفسه من الشك في الإيمان والرَّيْبِ في اليقين، فأولى أن يخاف من المعاصي في الجوارح.

والفَاسِدُ القَلْبِ المُتَّبعُ الهوى، قد ضرب الله له (١) مثلًا الكلب، فقال: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (١٧٥) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (١٧٦)[الأعراف: ١٧٥، ١٧٦].

قال علماؤنا: "إن آدم سَكَنَ في الجنة وطمع في الخلود فيها فأُخرج عنها، وهي دار الخلود، فكيف يجهل من يركن إلى الدنيا ويتخذها دارًا، ويمحو الله من قلبه العِلْمَ بحقيقتها ومآلها، ويُذْهِلُه عن النبْذِ لها! " (٢).

ومن صفة الكلب الوُقُوعُ فيما لم يحَقِّقْهُ على جهة الابتداء، ثم الرضى عنه بلقمة، كذلك الذي له جِدٌّ في الإرادة؛ إذا ابتدأَ قُطِعَ بأدنى لَامِع، وبما عرض من خاطر، واستوى عنده الجهل والعرفان، والإساءة والإحسان؛ فهو تارة في ضجر، وأخرى في نظر، لا يفضي به إلى بصر، يُقابِلُ النعمة بالتُّهْمَة، ويعارض المحبة بالحُجْبَة.

والكلبُ نَجِسُ الذات، وكذلك الذي يرى أن الدنيا هي الدار ويُنْكِرُ الآخرة؛ معدومُ الذات في الخير والانتفاع.


(١) سقط من (د) و (ب).
(٢) لطائف الإشارات: (١/ ٥٨٧).