للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الصحيح عن حُذَيفة -واللفظ للبخاري- قال: "حدَّثنا رسول الله حديثين؛ رأيتُ أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدَّثنا أن الأمانة نزلت في جِدْرِ قلوب الرجال، قال: ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها فقال: ينام الرجل النومة فتُقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثرِ الوَكْتِ، ثم ينام النومة فتقبض، فيبقى أثرها مثل أثر المَجْل، كجَمْرٍ دحرجته على رجلك فنَفِطَ، فتراه مُنتَبِرًا، وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا، وبقال للرجل: ما أعقله، وما أظرفه (١)، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ولقد أتى عليَّ زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلمًا ردَّه عليَّ الإسلام، ولئن كان نصرانيًا ليردَّنه علي ساعة (٢)، فأمَّا اليوم فما كنتُ لأبايع إلَّا فلانًا وفلانًا" (٣).

وكم لهذا الزمان، ثم كان وقد كان الناس، كما قال النبيُّ في الصحيح: "الناس كإِبِل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة" (٤)، وكانت الأمانة قبل اليوم تُرْفَعُ في النوم، وأراها الآن تُرْفَعُ في اليقظة.

ومعنى الحديث: إن الرجل ينام فيتوفَّاه الله، فإذا رَدَّ إليه روحه باليقظة فقد يردها بصفتها التي توفَّاها عليه، وقد يزيد فيها، وقد ينقص منها، وأشدُّه أن يستيقظ غير أَمِينٍ، وربما غير مؤمن.

واذا اجتمعت له هذه الأوصاف كان من "التابعين".


(١) في (ك) و (ص): أطرفه.
(٢) في (ك) و (ص) و (ب): ساعيه.
(٣) أخرجه البخاري فى صحيحه: كتاب الفتن، باب إذا بقي في حُثالة من الناس، رقم: (٧٠٨٦ - طوق).
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عمر : كتاب فضائل الصحابة، باب باب قوله : "الناسُ كإِبِلٍ مائة"، رقم: (٢٥٤٧ - عبد الباقي).