للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فذكرتُ ذلك لبعض إخواني فقال لي: هاهنا امرأة صوفية لها ابنة مثلها جميلة، قد ناهزت البلوغ، قال: فخَطَبْتُها وزُوِّجْتُها، فلمَّا دخلت عليها وجدتها مستقبلة القبلة تصلي، قال: فاستحييت أن تكون صبية في مثل سنها تصلي وأنا لا أصلي، فاستقبلت القبلة وصليَّتُ ما قُدِّرَ لي، حتى غلبتني عيني، فنامت في مُصَلَّاهَا، ونمتُ في مُصَلَّايَ، فلمَّا كان في اليوم الثاني كان مثل ذلك أيضًا، فلمَّا طال عليَّ قلت لها: يا هذه، ألاجتماعنا معنى؟ قال (١): فقالت لي: أنا في خدمة مولاي (٢)، ومن له حَقٌّ فما أمنعه، قال: فاستحييت من كلامها، وتماديتُ على أمري نحو الشهر، ثم بدا لي في السفر، فقلت لها: يا هذه، قالت: لبيك، قلت: إني قد أردت السفر، فقالت: مُصَاحَبًا بالعافية، قال: فقمت، فلمَّا صرتُ عند الباب قامت فقالت: يا سيدي، كان بيننا في الدنيا عَهْدٌ لم يُقْضَ بتمامه، فعسى في الجنة إن شاء الله، فقلت لها: عسى، فقالت: أستودعك الله خير مُسْتَوْدع، قال: فتودَّعت منها وخرجت، قال: ثم عدت إلى مصر بعد سنين، فسألتُ عنها، فقيل لي: هي على أفضل ممَّا تركتَها عليه من العبادة والاجتهاد" (٣).

وهذا لما خُصَّتْ به تلك الديار من رِقَّةِ الحواشي، وحِدَّةِ الخواطر، وصفاء القلوب، فترى لنسائها المُخَدَّرات وعامَّتِها المسترسلات على المعاش ما لا ترى لأحد من نُبَلاء بلادنا.


(١) سقط من (ص).
(٢) في جذوة المقتبس (ص ٩٥): ربي مولاي.
(٣) جذوة المقتبس: (ص ٩٥).