للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونحن نعتقد أن شَرْعَ من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يَرِدْ من شرعنا ما يردُّه، وقد رَدَّه النبي كما قدَّمناه (١) وبيَّنَّاه (٢).

وأمَّا قوله: (إنها معاملة)، فهو نَظَرٌ إلى ظاهره وصُورَتِه في العَقْدِيَّةِ واقتضاء الشهوية (٣)، وليس له أن ينظر إلى الصُّوَرِ ويترك المعاني؛ فإنه ليس من أصله ذلك، ولو كان التخلي للعبادة خيرًا من النكاح نظرًا إلى صورته ما قَطَعَ النبي حُكْمَ الصورة بالسُّنَّةِ، ولا خَلَقَه الله مُقْبِلًا عليه، راغبًا فيه، قادرًا على اقتضاء الشهوة منه.

فإن الله تعالى لم يَعْجِنْ طِينَتَهُ في أصل الوَضْعِ إلَّا على أكرم السَّجَايَا وأَجَلِّ الصفات وأطهر الأخلاق، كما جعل مِلَّتَه خيرَ المِلَلِ، وسُنَّتَه أفضل السنن، وهو خير الرسل، وليس في مدح حال يحيى ما يدلُّ على أنه أفضل من النكاح، فإن مَدْحَ الصفة في ذاتها لا يقتضي ذمَّ غيرها، وهذا لفِقْهٌ صحيح.

وذلك أن النكاح لم يفضل التخلي للعبادة بصُورته، وإنما تميَّز عنه بمعناه في تحصيل الناس، وبقاء الولد الصالح، وتحقيق السُّنَّةِ (٤) في النَّسَبِ والصهر، فقضاءُ الشهوة في النكاح ليس مقصودًا في ذاته، وإنَّما أكَّد النكاح بالأمر قولًا، وأكَّده بخلق الشهوة خِلْقَةً، حتى يكون ذلك أدعى للوفاء


(١) سقطت من (ص).
(٢) ينظر: العارضة: (٥/ ١٠ - ١١).
(٣) في (س) و (د): الشهوة.
(٤) في (ص): المِنة.