للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما شَرُفَتْ دار السَّلام لأنها مَحَلُّ الكرامة، واختصاصها (١) بالزُّلْفَةِ، والأقطارُ كلُّها ديارٌ، ولَكِنْ فِيمَةُ الدَّارِ إنَّما هي بقَدْرِ الجار، كما قال القائل (٢):

إنِّي لأَحْسُدُ جارَكم بجِوَارِكُمْ … طُوبَى لمن أَضْحَى لَكُمْ جارَا

يا ليت جارَك باعَنِي من دَارِهِ … شِبْرًا فاُعطيَه بِشِبْرٍ دَارَا

وليس القُرْبُ هاهنا بالمسافة، وإنما هي المرتبة والمنزلة، وقُرْبُ الثواب والتكرمة، لأن حقيقة الإله مُقَدَّسَةٌ عن التداني بالأقطار والجهات، والتجاور بالذوات، وإنَّما دُنُوُّهُم بأنه وَلِيُّهم، وهذا شَرَفٌ لا يُدَانَى، ومنزلة لا تُدْرَكُ بالهُوَيْنَى، ولا تُنال بالمُنَى، وإنَّما هي هِبَةُ المَوْلَى.

وأمَّا مرتبة الآخرة فالفوز بالنعيم، والنجاة من العذاب الأليم.

فأمَّا الفوز بالنعيم فباجتناب الشرك، قال النبي : "من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبد الله ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وابن أَمَتِه، وكلمُته أَلْقَاهَا إلى مريم، ورُوحٌ منه، والجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" (٣).


(١) في (ص): لاختصاصها.
(٢) البيتان لم أقف على قائلهما، وهي من بحر الكامل، والأول في المنتحل للثعالبي: (ص ٢٢٢)، وهما في غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة للوطواط: (ص ٥٧٣).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه عن عبادة بن الصامت : كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، رقم: (٢٨ - عبد الباقي).