عشرة آلاف دينار، جَذْرُه الذي كان يُعطيه الملك العادل، فلمَّا مات كان يأخذه من الناس مُقَسَّطًا على الحاجِّ، ثم أعطى ابنَ أبي هاشم عشرة آلاف دينار كِسْوَتَه، وأعطى للأشراف مثلها، ولم يبق بمكة ساكن ولا مُجَاوِرٌ إلَّا وصلتْ إليه صِلَتُه، وعاد إلى بغداذَ؛ فكُتِبَ له كلُّ إمام بها وطالب، وإمام ومؤذن، وصُوفِيٍّ ومُرِيدٍ، فأعطى الرؤوس مائة دينار، مائة دينار، وأعطى الأتباع من دينارين إلى عشرين دينارًا، ومشيتُ إليه بعد إنكفائه عن الحج مع أبي، صُحْبَةَ شيخنا أخيه إسماعيل، فدخلنا عليه؛ وبوَصِيَّةِ أبي حامد الغزالي بِنَا وتنبيهه علينا، لنراهُ ونطَّلع حاله، وقلنا: تكون معرفة، فربما دخلنا خراسان وعرَّجنا على أصفهان، فوصلنا إلى منزله بالكَرْخِ، وتقدَّم أخوه واستأذن لنا، فوصلنا إليه، وتلقَّانا ببِرٍّ وافر، وتكلَّم معنا بتُرْجُمَانٍ، ومَجْلِسُه غاصٌّ، وفي أثناء الكلام جاءت السُّفَرُ، ونُضِدَ عليها الأقراص والصحون بالألوان، فرأيتُها بأجمعها هَيْئَةَ فُولٍ مطبوخ، وهو الذي نُسَمِّيه "البَيْسَار"، فقلتُ: هذه سيرة الزهاد، وإنه ليشبه ملبسَه؛ فإنه كان مُتَوَسِّطًا جِدًّا، فلمَّا غسلنا أيدينا وأخذنا في الأكل إذا بالصحون اللَّوْنُ واحدُ، والأطعمةُ مختلفة، وقد أَتَوْنَا به مُتَشَابِهًا، فَوَالعَظِيمِ الكريم العزيز الرَّحيم العَلِيِّ الحكيم الذي ابتلاني بكم بعدهم، وجعلني بَدَلًا منهم معكم، ما انفصلتُ عن ذلك المجلس إلَّا والدنيا قد خَرَجَتْ من قلبي، فما دَخَلَتْهُ إلى اليوم؛ لأنِّي علمتُ أن تلك هي الدنيا والمُلْك، لا دُنْيَا المَلِكِ العادل ولا مُلْكه، ورأيتُ أنه أَمْرٌ لا يُدْرَكُ، فوَقَفْتُ حيثُ وَقَفَتْ بي المقاديرُ، وتَرَدَّدَتْ في أثناء التدبير، ولله الحُكْمُ العلي الكبير.