للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم: من يُقِيمُ حروفه في مخارجها.

ومنهم: من يُقْبِلُ على جميع القراءات، وليته جَمَعَ الصحيح منها، أو عرف كيف يجمعها، وهذا كله مذموم، وإقبال على ما لا يُحتاج إليه، أو إعراضٌ عمَّا يلزم، وقد بيَّناه في غير موضع (١).

وكان أبو بكر الصديق. أَسِيفًا؛ إذا قرأ بكى شَوْقًا وخَوْفًا.

وقد رأيت من يَعِيبُ البكاء ويقول: إنه صفة الضعفاء، والنبي قد مدحها، قال: "عينان لن تمسهما النار أبدًا، عَيْنٌ بَكَتْ من خشية الله، وعَيْنٌ سهرت في سبيل الله" (٢).

وبُكَاءُ الشوق- عندي- خشية، فإنه حَذَرٌ من فوات المتاع بالمحبوب.

وقد كنت فاوضتُ في ذلك شَيْخِيَ الزَّاهِدَ أبا بكر (٣) القُرَشِي (٤)، وكانت فيَّ (٥) قَسْوَةٌ جِبِلِّيَّةٌ (٦)، وشَكَوْتُ إليه ما بقلبي من ذلك، فقال لي: "تَبَاكَ إذا لم يُطِعْكَ البكاء، وتَحَازَنْ إذا لم يُجِبْكَ الحُزْنُ، حتى تتَّخذه عادة، وإن مَدَّ الله في عمري لأجمعنَّ كتابًا في البكاء"، وفارقتُه ولم أَدْرِ ما فَعَلَ بعدي.


(١) ينظرة العارضة: (١٠/ ٧١)، والعواصم: (ص ٣٦١).
(٢) أخرجه الترمذي في جامعه عن ابن عباس : أبواب فضائل الجهاد عن رسول الله ، باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله، رقم: (١٦٣٩ - بشار).
(٣) في (س): وأبا بكر.
(٤) هو الإمام أبو بكر الطُّرطوشي تـ ٥٢٠ هـ، تقدَّم التعريف به في السِّفر الأوَّل.
(٥) في (س): فيه، وهو تصحيف.
(٦) في (د) و (س) و (ص): جبلية.