للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألَا ترى أن السحرة لمَّا تَحَقَّقَتْ هذه الحقيقة واستمرت عليها من غير مَثْنَوِيَّةٍ عزيمة قالت لفرعون: ﴿فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [طه: ٧٢].

وقد قال الله تعالى مخبرًا عن الأنبياء ومن انضاف إليهم من الأولياء: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨]، وإنَّما كان بكاؤهم على أنَّ ما انتَهَوا إليه من السجود- وهو الغاية في الذلة- لا يقوم بحق النعمة، فرأوا أنفسَهم بعَيْنِ التقصير فيما عليهم من الحق.

ومن فَضْلِ الله على الخلق أن جَعَلَ البكاء راحةً لهم في الدنيا، وأَجْرًا لهم في الأخرى، وقد بكى السفهاءُ على الأطلال وآثارها، والهفوات وأطوارها، والشَّهوات وأَوْطَارِها، فابْكِ أنت على ما مضى من أيَّامك الأُوَلِ في غَيْرِ عَمَلٍ، وفي ذلك ما (١) قُلْتُ:

يا نَفْسِي وَيْحَكِ (٢) كَمْ ذا أَنْتِ في وَسَنِ … لا تَبْكِيَنَّ على الآثار في (٣) الدِّمَنِ

وابكي على عَمَلٍ قد كُنْتِ تاركةً … أوقاتَه هَمَلًا في سَالِفِ الزَّمَنِ

يا فُرْصَةً لم تزل عنها مدافعة … كالطِّفْلِ يُخْدَعُ باللُّعْبَى عن اللَّبَنِ

أيَّامَ تعملُ في دنياك مجتهدًا … مِن كلِّ يَعْمَلَةٍ (٤) كَوْمَاءَ كالفَدَنِ


(١) سقطت من (س).
(٢) في (س): يا ويح نفسك.
(٣) في (ل): في خـ: و.
(٤) اليعملة: الناقة النجيبة المطبوعة على العمل، تاج العروس: (٣٠/ ٥٨).