للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ هُنَا يَتَأَتَّى، وَمَقْصُودُ النَّسْلِ يَحْصُلُ، وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ فَإِنَّ هُنَاكَ فَوَاتَ التَّسْلِيمِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ انْفِسَاخَ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ وُجُودُ الْعَيْبِ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا هَلَاكُ الْمَهْرِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُثْبِتُ الرُّجُوعَ بِقِيمَتِهِ فَوُجُودُ الْعَيْبِ الْفَاحِشِ بِهِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ؛ وَلِأَنَّ وُجُودَ الْعَيْبِ تَأْثِيرُهُ فِي انْعِدَامِ تَمَامِ الرِّضَا بِهِ، وَالنِّكَاحُ لُزُومُهُ لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا كَمَا بَيَّنَّا فِي الْهَزْلِ، وَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْفَسْخِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقّهَا فِي الْجِمَاعِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، وَالتَّسْرِيحُ طَلَاقٌ، وَعِنْدَنَا هُنَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا.

ثُمَّ الْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ هُنَاكَ قَدْ انْسَدَّ عَلَيْهَا بَابُ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ مَادَامَ تَحْتَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ بَقِيَتْ مُعَلَّقَةً لَا ذَاتَ بَعْلٍ، وَلَا مُطَلَّقَةً فَأَثْبَتْنَا لَهَا الْخِيَارَ؛ لِإِزَالَةِ ظُلْمِ التَّعْلِيقِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي جَانِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهَا إمَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَوْ بِمِلْكِ النِّكَاحِ، وَمُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّخَلُّصِ مِنْهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِحَاجَتِهِ إلَى التَّخَلُّصِ مِنْ الْمَهْرِ كَمَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مَعَ قِيَامِ حَاجَتِهِ إلَى التَّخَلُّصِ مِنْ الْمَهْرِ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ مَنَعَ حَقَّهَا فِي الْجِمَاعِ قَصْدًا إلَى الْإِضْرَارِ بِهَا بِالْإِيلَاءِ كَانَ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إيفَاءُ حَقِّهَا بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ، وَالْمَرْأَةُ لَوْ مَنَعَتْ حَقَّهُ عَلَى قَصْدِ الْإِضْرَارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ الْخِيَارُ بِذَلِكَ السَّبَبِ، فَكَذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِيفَاءُ بِالرَّتْقِ أَوْ الْقَرَنِ، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ إذَا وَجَدَتْ بِالزَّوْجِ عَيْبَ الْجُنُونِ أَوْ الْجُذَامِ أَوْ الْبَرَصِ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَرُدَّهُ بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَهَا الْخِيَارُ إذَا كَانَ عَلَى حَالٍ لَا تُطِيقُ الْمُقَامَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الْوُصُولُ إلَى حَقِّهَا؛ لِمَعْنًى فِيهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: بِهَذِهِ الْعُيُوبِ لَا يَنْسَدُّ عَلَيْهَا بَابُ اسْتِيفَاءِ الْمَقْصُودِ إنَّمَا تَقِلُّ رَغْبَتُهَا فِيهِ أَوْ تَتَأَذَّى بِالصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ مَعَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُثْبِتٍ لَهَا الْخِيَارَ، كَمَا لَوْ وَجَدَتْهُ سَيِّئَ الْخُلُقِ أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ بِخِلَافِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا.

يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الزَّوْجَ هُنَاكَ ظَالِمٌ فِي إمْسَاكِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهَا وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ إزَالَةِ الظُّلْمِ بِالطَّلَاقِ، وَهُنَا الزَّوْجُ غَيْرُ ظَالِمٍ فِي إمْسَاكِهَا مَعَ صِدْقِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا، وَذَلِكَ لَا يُثْبِتُ لَهَا الْخِيَارَ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ السَّلَامَةَ مِنْ الْعَمَى وَالشَّلَلِ، وَالزَّمَانَةِ فَوُجِدَ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ الْجَمَالَ وَالْبَكَارَةَ، فَوَجَدَهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ فَوْتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>