زِيَادَةٍ مَشْرُوطَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَّ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِتَمَامِ الرِّضَا فِي بَابِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ أَنَّهَا بِكْرٌ شَابَّةٌ جَمِيلَةٌ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا عَجُوزًا شَوْهَاءَ لَهَا شِقٌّ مَائِلٌ وَعَقْلٌ زَائِلٌ وَلُعَابٌ سَائِلٌ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ، وَقَدْ انْعَدَمَ الرِّضَا مِنْهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
(قَالَ:) وَإِذَا قَالَ: الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ: زَوِّجِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْت جَازَ النِّكَاحُ، وَلَوْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَقَالَ: فَعَلْت لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا أَعَادَهُ هُنَا؛ لِإِيضَاحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَقَدْ اسْتَكْثَرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ لِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَهُمَا فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَمَالِي قَالَ: إنَّمَا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي النِّكَاحِ؛ لِلسُّنَّةِ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ الْحَكَمِ «أَنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَطَبَ إلَى قَوْم فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهُ فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أَخْطُبَ إلَيْكُمْ مَا فَعَلْت فَقَالُوا: قَدْ مَلَكْت» فَدَلَّ أَنَّ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ بَعْدَ الْخِطْبَةِ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ حُكْمِ تَوَقُّفِ النِّكَاحِ عَلَى الْإِجَازَةِ لِيُبَيِّنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْبِهُ حُكْمَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَوَقَّفَ الْعَقْدُ عَلَى حَقِّهِ غَيْرُ رَاضٍ بِأَصْلِ السَّبَبِ فَكَانَ أَصْلُ السَّبَبِ فِي حَقِّهِ كَالْمَعْدُومِ مَا لَمْ يَجُزْ، وَأَمَّا عِنْدَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ أَوْ وُجُودِ الْعَيْبِ فَقَدْ ظَهَرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ رَاضٍ بِأَصْلِ السَّبَبِ حِينَ بَاشَرَهُ.
فَلِهَذَا تَمَّ الْعَقْدُ ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا كَانَ هُوَ الْوَلِيَّ فَفِي حَقِّ الزَّوْجِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ أَوْ رَدِّهِ بِكَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا كَذَلِكَ، وَإِذَا كَانَتْ بِكْرًا فَسُكُوتُهَا رِضَاهَا؛ لِعِلَّةِ الْحَيَاءِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبِكْرَ إذَا زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رَجُلٍ فَبَلَغَهَا الْعَقْدَانِ فَإِنْ أَجَازَتْ أَحَدَهُمَا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ أَجَازَتْهُمَا مَعًا بَطَلَا؛ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ سَكَتَتْ لَمْ يَكُنْ سُكُوتُهَا رِضًا مِنْهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ سُكُوتَهَا بِمَنْزِلَةِ رِضَاهَا بِالْعَقْدَيْنِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدَانِ جَمِيعًا، وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ سُكُوتُهَا رِضًا بِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَلَا رِضًى بِهِمَا؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ إنَّمَا يُقَامُ مَقَامَ الرِّضَا؛ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ، وَفِي الرِّضَا هُنَا بِهِمَا أَبْطَالُهُمَا، فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ سُكُوتُهَا هُنَا رِضًى.
(قَالَ:) وَإِذَا أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ، وَلَهَا زَوْجٌ قَدْ كَانَ زَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْهُ أَوْ تَزَوَّجَتْهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ مَعَهُ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا أَعْتَقَتْ بَرِيرَةَ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَلَكْت بُضْعِك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute