للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَرَضُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ لَا يُحْتَسَبُ بِمُدَّةِ الْمَرَضِ عَلَى الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ فِي النَّهَارِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ غِشْيَانُهَا ثُمَّ ذَلِكَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ فَعَرَفْنَا أَنَّ نِصْفَ الشَّهْرِ وَمَا دُونَهُ عَفْوٌ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ: إذَا كَانَا صَحِيحَيْنِ فِي شَيْءٍ مِنْ السَّنَةِ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِزَمَانِ الْمَرَضِ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فِيمَا دُونَ الشَّهْرِ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ شَهْرًا لَا يُحْتَسَبُ وَيُزَادُ فِي مُدَّتِهِ بِقَدْرِ مُدَّةِ الْمَرَضِ، وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ لَا يُحْتَسَبُ عَلَى الزَّوْجِ بِتِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحْلِلَهَا.

أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُحْرِمَةً حِينَ خَاصَمَتْ لَمْ يُؤَجِّلْهُ الْقَاضِي حَتَّى تَفْرُغَ مِنْ الْحَجِّ، وَلَوْ خَاصَمَتْ وَالزَّوْجُ مُظَاهِرٌ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِتْقِ أَجَّلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ أَمْهَلَهُ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ غِشْيَانِهَا مَا لَمْ يُكَفِّرْ، وَالْعَاجِزُ عَنْ الْعِتْقِ كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ شَهْرَانِ، فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْهَا بَعْدَ التَّأْجِيلِ لَمْ يَلْتَفِتْ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَاحْتَسَبَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَنْ لَا يُظَاهِرَ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَصِلُ إلَى غَيْرِهَا مِنْ النِّسَاءِ أَوْ جَوَارِيهِ، وَلَا يَصِلُ إلَيْهَا خَيَّرَهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لِرَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِوُصُولِهِ إلَى غَيْرِهَا بَلْ تَزْدَادُ بِهِ غَيْظًا، وَلَوْ كَانَ غَشِيَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ انْقَطَعَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا خِيَارَ لَهَا؛ لِأَنَّ مَا هُوَ مَقْصُودُهَا مِنْ تَأَكُّدِ الْبَدَلِ أَوْ ثُبُوتِ صِفَةِ الْإِحْصَانِ قَدْ حَصَلَ لَهَا بِالْمَرَّةِ.

(قَالَ:) وَلَوْ وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا خَيَّرَهَا الْقَاضِي فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْعِنِّينِ لِرَجَاءِ الْوُصُولِ، وَذَلِكَ فِي الْمَجْبُوبِ لَا يُوجَدُ فَالْمَقْطُوعُ مِنْ الْآلَةِ لَا يَنْبُتُ فَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَال، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَلَا بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّيَقُّنَ بِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا مَوْجُودٌ هُنَا، وَعُذْرُ الْجَبِّ فِي الزَّوْجِ أَبْيَنُ مِنْ عُذْرِ الْمَرَضِ، فَإِذَا كَانَ مَرَضُهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ فَكَوْنُهُ مَجْبُوبًا أَوْلَى، بِخِلَافِ الْعِنِّينِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِنٌ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ يُشَاهَدُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي الْحُكْمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ هِيَ أَتَتْ بِالتَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ وَحَقُّهَا فِي الْبَدَلِ يَتَقَرَّرُ بِذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَقْدَ مَا انْعَقَدَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُجَامَعَةِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا كَوْنَ لَهُ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ لِمَا وَرَاءَ ذَلِكَ وَقَدْ أَتَتْ بِهِ فَيَتَقَرَّرُ حَقُّهَا ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ جَمِيعُ الْمَهْرِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا تَجِبُ الْعِدَّةُ اسْتِحْسَانًا وَأَشَارَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عِنْدَهُمَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، فَحَيْثُ قَالَ: لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ أَرَادَ فِي مَجْبُوبٍ قَدْ جَفَّ مَاؤُهُ فَيَكُونُ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>