للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُعَالِجَ نَفْسَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، هَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفِيضُوا عَلَيْهِ الدَّحْجَ وَالْعَسَلَ لِيُرَاجِعَ نَفْسَهُ، فَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهَا فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ الْبَكَارَةِ وَالثِّيَابَةِ، فَإِنْ أَرَاهَا النِّسَاءَ فَقُلْنَ: هِيَ بِكْرٌ خَيَّرَهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ لَا تَبْقَى مَعَ الْوُصُولِ إلَيْهَا، فَإِذَا خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ الزَّوْجَ أَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا أَوْ أَقَامَهَا أَعْوَانُ الْقَاضِي أَوْ قَامَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ شَيْئًا بَطَلَ خِيَارُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَخْيِيرِ الزَّوْجِ امْرَأَتَهُ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ بِالْمَجْلِسِ فَهَذَا مِثْلُهُ وَالتَّفْرِيقُ كَانَ لِحَقِّهَا، فَإِذَا رَضِيَتْ بِالْإِسْقَاطِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِتَأْخِيرِ الِاخْتِيَارِ إلَى أَنْ قَامَتْ أَوْ أُقِيمَتْ يَسْقُطُ حَقُّهَا، فَلَا تُطَالِبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ أَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِنْ أَبِي فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَكَانَتْ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَكُونُ فَسْخًا بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، فَأَمَّا عِنْدَنَا الْمُسْتَحَقُّ عَلَى الزَّوْجِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ إمَّا الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ.

فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْهُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي التَّسْرِيحِ وَالتَّسْرِيحُ طَلَاقٌ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ جَعَلَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّجْعِيِّ لَا يَحْصُلُ فَالْمَقْصُودُ إزَالَةُ ظُلْمِ التَّعْلِيقِ، وَفِي الرَّجْعِيِّ يَسْتَبِدُّ الزَّوْجُ بِالْمُرَاجَعَةِ مَعَ أَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ مُخْتَصٌّ بِعِدَّةٍ وَاجِبَةٍ بَعْدَ حَقِيقَةِ الدُّخُولِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ هُنَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي غَيْرِ الْأُصُولِ أَنَّهَا كَمَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارًا بِالْمُخَيَّرَةِ بِتَخْيِيرِ الزَّوْجِ أَوْ بِتَخْيِيرِ الشَّرْعِ كَالْمُعْتَقَةِ، ثُمَّ لَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ مِنْهَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لَمَّا اسْتَوْفَتْ كَمَالَ الْمَهْرِ، بِهِ قَضَى عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَا: مَا ذَنْبُهُنَّ إذَا جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ، وَكَمَا لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا بِتَرْكِ الْمُرَافَعَةِ زَمَانًا فَكَذَلِكَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا بِتَأْخِيرِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِلِاخْتِيَارِ مِنْهَا لَا لِلرِّضَا بِهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ عَلَى الزَّوْجِ بِمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْمُرَافَعَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ مُضَيَّقًا عَلَيْهِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ، وَرُبَّمَا كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنْ صُحْبَتِهَا لِغَرَضٍ لَهُ فِي ذَلِكَ سِوَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ بَعْدَ التَّأْجِيلِ يَتْرُكُ ذَلِكَ الْغَرَضَ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعَارِ وَضَرَرِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَلِهَذَا لَا يُحْتَسَبُ بِالْمُدَّةِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ وَيُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِزَمَانِ حَيْضِهَا وَشَهْرِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَدَّرُوا الْأَجَلَ بِسَنَةٍ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ عَادَةً، فَإِنْ مَرِضَ الزَّوْجُ فِي الْمُدَّةِ أَوْ مَرِضَتْ مَرَضًا لَا يُسْتَطَاعُ جِمَاعُهَا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رِوَايَتَانِ: فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إذَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>