كَالْمَجُوسِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّرْعَ سَوَّى بَيْنَ حُكْمِ النِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ، ثُمَّ فِي حَقِّ حِلِّ الذَّبِيحَةِ الْكِتَابِيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ أَمَةً كَانَتْ أَوْ حُرَّةً فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَالْمُحْصَنَاتُ الْعَفَائِفُ مِنْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَتَتَنَاوَلُ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ، وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْحَرَائِرَ فَإِبَاحَةُ نِكَاحِ الْحَرَائِرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى حُرْمَةِ نِكَاحِ الْإِمَاءِ، وَلَكِنَّ هَذَا لِبَيَانِ الْأَوْلَى، وَاسْمُ الْمُشْرِكَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الْكِتَابِيَّةَ لِاخْتِصَاصِهَا بِاسْمٍ آخَرَ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَطَفَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: {لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البينة: ١] الْآيَةَ.
(قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ حُرَّةً ثُمَّ أَجَازَ مَوْلَى الْأَمَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ مِلْكِ الْحِلِّ عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَعِنْدَ الْإِجَازَةِ الْحُرَّةُ تَحْتَهُ، فَبِهَذِهِ الْإِجَازَةِ يَحْصُلُ ضَمُّ الْأَمَةِ إلَى الْحُرَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ مَضْمُومَةً إلَى الْحُرَّةِ، وَلِأَنَّهُ اعْتَرَضَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ مَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْعَقْدِ فَيَمْنَعُ الْإِجَازَةَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا مَوْقُوفًا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا ثُمَّ إنَّ الْأُولَى أَجَازَتْ لَمْ يَجُزْ، أَرَأَيْتَ لَوْ تَزَوَّجَ أُمَّ هَذِهِ الْأَمَةِ أَوْ ابْنَتَهَا وَهِيَ حُرَّةٌ قَبْلَ إجَازَةِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى أَكَانَ يَجُوزُ قَالَ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا.
(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ أَمَةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى وَلَمْ يَعْلَمْ بِالنِّكَاحِ، فَإِنَّ هَذَا الْعِتْقَ إمْضَاءٌ لِلنِّكَاحِ وَإِجَازَةٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ مُخَاطَبَةٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نُفُوذُ عَقْدِهَا لِحَقِّ الْمَوْلَى، فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى نَفَذَ الْعَقْدُ وَكَانَ نُفُوذُ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ جِهَتِهَا لَا مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى، وَمَا قَالَ: إنَّهُ إمْضَاءٌ وَإِجَازَةٌ تَوَسُّعٌ فِي الْكَلَامِ، فَأَمَّا نُفُوذُ الْعَقْدِ مِنْ جِهَتِهَا، وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ لَهَا خِيَارُ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعِتْقِ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا ازْدَادَ الْمِلْكُ عَلَيْهَا بِالْعِتْقِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا كَانَ نُفُوذُ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلِهَذَا كَانَ الْمَهْرُ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا قَبْلَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ عَلَيْهَا فَمَا يَقْبَلُهُ مِنْ الْبَدَلِ يَكُونُ لَهَا، وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: يَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ كَانَ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى، فَلَا يَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ، وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ لِسُقُوطِ حَقِّهِ بِالْعِتْقِ فَتَعَيَّنَ فِيهِ جِهَةُ الْبُطْلَانِ، كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَ الْغَيْرِ، ثُمَّ إنَّ الْمَالِكَ بَاعَهُ مِنْ إنْسَانٍ آخَرَ بَطَلَ بِهِ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا تَوَقَّفَ هَذَا الْعَقْدُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نُفُوذُهُ لِقِيَامِ حَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْعِتْقِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ النُّفُوذِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لَهَا الْمَوْلَى فِي النِّكَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ ذَلِكَ الْعَقْدُ مَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بِالْإِذْنِ لَمْ يَسْقُطُ حَقُّ الْمَوْلَى، فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْمَوْلَى أَوْ إجَازَةِ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، فَأَمَّا بِالْعِتْقِ هُنَا سَقَطَ حَقُّ الْمَوْلَى، وَهَذَا بِخِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute