مَا إذَا اشْتَرَتْ شَيْئًا ثُمَّ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشِّرَاءَ انْعَقَدَ مُوجِبًا الْمِلْكَ لِلْمَوْلَى فَلَوْ نَفَذَ بَعْدَ عِتْقِهَا كَانَ مُوجِبًا الْمِلْكَ لَهَا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَأَمَّا هُنَا النِّكَاحُ انْعَقَدَ مُوجِبَ الْحِلِّ لَهَا وَبَعْدَ الْعِتْقِ إنَّمَا يَنْفُذُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَوْ لَمْ يَعْتِقْهَا، وَلَكِنَّهُ مَاتَ فَوَرِثَهَا ابْنُهُ، فَإِنْ كَانَتْ تَحِلُّ لِلِابْنِ بِأَنْ لَمْ يَمَسَّهَا الْأَبُ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ أَنْ يُجِيزَهُ؛ لِأَنَّهُ طَرَأَ حِلٌّ نَافِذٌ عَلَى الْحِلِّ الْمَوْقُوفِ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِذَلِكَ الْمَوْقُوفِ كَمَا إذَا طَرَأَ مِلْكٌ نَافِذٌ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ بِأَنْ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ الْمَالِكِ بَطَلَ ذَلِكَ الْعَقْدُ، وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَازَةَ بَعْدُ، وَهَذَا لِأَنَّ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ وَالْحِلَّيْنِ فِي الْمَحَلِّ مُنَافَاةً فَنُفُوذُ أَحَدِهِمَا فِي الْمَحَلِّ يَكُونُ مُبْطِلًا لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لِلِابْنِ فَأَجَازَ الِابْنُ ذَلِكَ النِّكَاحَ جَازَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي هَذِهِ الْإِجَازَةِ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُنَافِي وَهُوَ طَرَيَان الْحِلِّ النَّافِذِ عَلَى الْحِلِّ الْمَوْقُوفِ.
وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ الْأَبِ، فَلَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهَا الْمَوْلَى أَوْ وَهَبَهَا أَوْ سَلَّمَهَا، فَإِنْ كَانَتْ تَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ الْعَقْدُ بِإِجَازَتِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُمَا نَفَذَ الْعَقْدُ بِإِجَازَتِهِمَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ كَانَتْ تَحِلُّ لِمَنْ مَلَكَهَا فَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ بَعْدَ مَا مَلَكَهَا وَقَدْ أَجَازَ مَنْ مَلَكَهَا النِّكَاحَ أَوْ لَمْ يُجِزْ كَانَ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِمَّا سَمَّى لَهَا فِي النِّكَاحِ قَبْلَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ حَصَلَ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ فَسَقَطَ الْحَدُّ وَيَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْ الْمُسَمَّى وَمِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِمَالِكِهَا يَوْمَ وَطِئَهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ بَدَلًا عَنْ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ مَمْلُوكٌ لِلثَّانِي فَكَانَ الْبَدَلُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ قَدْ جَامَعَهَا فِي مِلْكِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَجَازَ النِّكَاحَ الْآخَرُ، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ عَلَيْهِ مَهْرٌ وَاحِدٌ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِهَا فِي الْمِلْكِ الْأَوَّلِ حَصَلَ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ فَيَجِبُ الْمَهْرُ بِمُقَابَلَةِ الْمُسْتَوْفَى مِنْهَا، وَذَلِكَ الْمُسْتَوْفَى مَمْلُوكٌ لِلْأَوَّلِ فَكَانَ الْمَهْرُ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الثَّانِي هُنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ حِينَ مَلَكَهَا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فِي مِلْكِ الْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَالْمُعْتَدَّةُ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ الْمُعْتَدِّ مِنْهُ فَهِيَ لَمْ تَصِرْ مُحَلَّلَةً لِلْمَالِكِ الثَّانِي، فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ، فَإِذَا أَجَازَهُ كَانَ صَحِيحًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعِدَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، فَأَمَّا قَبْلَ التَّفْرِيقِ فَهِيَ لَيْسَتْ بِمُعْتَدَّةٍ فَاعْتِرَاضُ الْمِلْكِ الثَّانِي يُبْطِلُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ مَمْنُوعًا مِنْ غِشْيَانِهَا، وَجُعِلَ هَذَا قِيَاسَ الْمَنْعِ بِسَبَبِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ، فَهَذَا مِثْلُهُ.
(قَالَ:) وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فِي مِلْكِ الْأَوَّلِ ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute