أَعْتَقَهَا جَازَ النِّكَاحُ، وَفِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ مَهْرَانِ مَهْرٌ لِلْمَوْلَى بِالدُّخُولِ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَمَهْرٌ لَهَا لِنُفُوذِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْحِلِّ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَا يَجِبُ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَهْرِ بِالدُّخُولِ إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْبِقْ الْعَقْدُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ وَالْعَقْدُ الْوَاحِدُ لَا يُوجِبُ إلَّا مَهْرًا وَاحِدًا، وَإِذَا وَجَبَ بِهِ الْمَهْرُ لِلْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهَا بِهِ مَهْرٌ آخَرُ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْإِجَازَةَ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَحُكْمُهَا يَسْتَنِدُ إلَى أَصْلِ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشُّهُودَ يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِذْنِ فَكَذَلِكَ إذَا أَجَازَهُ فِي الِانْتِهَاءِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَشَرْطُ الشُّهُودِ اخْتَصَّ بِمِلْكِ الْحِلِّ كَشَرْطِ الْمَهْرِ، فَكَمَا أَنَّ وُجُودَ الشُّهُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ يُغْنِي عَنْ اعْتِبَارِهِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَكَذَا وُجُوبُ الْمَهْرِ لِلْمَوْلَى عِنْدَ الْعَقْدِ يُغْنِي عَنْ اعْتِبَارِ مَهْرٍ آخَرَ لَهَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَلَوْ لَمْ يُعْتِقْهَا، وَلَكِنَّهُ أَجَازَ النِّكَاحَ جَعَلَ إجَازَتَهُ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ كَانَ أَذِنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ جَازَ عَقْدُهَا وَيُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الشُّهُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ.
(قَالَ:) وَلِلْمَوْلَى أَنْ يُكْرِهَ أُمَّتَهُ أَوْ عَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ، أَمَّا الْأَمَةُ فَلِأَنَّ بُضْعَهَا مَمْلُوكٌ لِلْمَوْلَى فَهُوَ إنَّمَا يَعْقِدُ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ بِتَزْوِيجِهَا، وَلَهُ وِلَايَةُ الْعَقْدِ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا كَمَا لَوْ بَاعَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْبَدَلَ يَجِبُ لِلْمَوْلَى، وَالنَّفَقَةُ تَسْقُطُ عَنْ الْمَوْلَى فَهُوَ فِيمَا صَنَعَ عَمِلَ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِلْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ عِنْدَنَا، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ مَا تَنَاوَلَهُ النِّكَاحُ مِنْ الْعَبْدِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ فَهُوَ فِي تَزْوِيجِهِ مُتَصَرِّفٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ، فَلَا يَسْتَبِدُّ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَبْدِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ دَمَهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَةَ الْعَبْدِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلْمَوْلَى، فَكَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْعَقْدِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ تَزْوِيجَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ لَا يُفِيدُ مَقْصُودَ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الْعَبْدِ فَيُطَلِّقُهَا مِنْ سَاعَتِهِ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥]، فَإِنَّمَا عَقَدَ الْمَوْلَى عَلَى شَيْءٍ لَا يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَمْلِكُ نِكَاحَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَالْأَمَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْأَمَةِ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى الْعَقْدَ عَلَيْهَا لِمِلْكِهِ رَقَبَتَهَا لَا لِمِلْكِهِ مَا يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ، فَإِنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ لَا تَسْتَدْعِي مِلْكَ مَا يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ، وَلَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلِيَّ يُزَوِّجُ الصَّغِيرَةَ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهَا مَا يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ، فَثَبَتَ أَنَّ فِي حَقِّ الْأَمَةِ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute