أَدَّتْ السِّعَايَةَ فَعَتَقَتْ خُيِّرَتْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَاةَ كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ إذَا أَعْتَقَتْ وَقَدْ كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا خُيِّرَتْ.
(قَالَ:) وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي عِدَّةِ حُرَّةٍ مِنْ فُرْقَةٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي عِدَّتِهَا بِالِاتِّفَاقِ فَهُمْ يَقُولُونَ: الْمُحَرَّمُ نِكَاحُ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» وَالتَّزَوُّجُ عَلَيْهَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ مِلْكُهُ بَاقِيًا عَلَيْهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَوْ قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْفُرْقَةِ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نِكَاحٌ، فَلَا يَكُونُ مُتَزَوِّجًا عَلَيْهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ الْحُرَّةُ تَعْتَدُّ مِنْهُ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ فَتَزَوَّجَ أَمَةً يَجُوزُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ مَا أَبَانَهَا لَمْ تَطْلُقْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ أَوْ قَبْلَهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ عَلَيْهَا بَعْدَ مَا أَبَانَهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ هُنَاكَ الْجَمْعُ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا صَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ، وَهَذَا الْمَنْعُ لَيْسَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ الْأَمَةَ ثُمَّ الْحُرَّةَ صَحَّ نِكَاحُهَا، وَلَكِنَّ الْمَنْعَ مِنْ تَزَوُّجِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إدْخَالِ نَاقِصَةِ الْحَالِ فِي مُزَاحَمَةِ كَامِلَةِ الْحَالِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْمَنْعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ ثَبَتَ بِنِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَكُلُّ مَنْعٍ ثَبَتَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ كَالْمَنْعِ مِنْ نِكَاحِ الْأُخْتِ وَالْأَرْبَعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ، وَحَقُّ الشَّيْءِ كَنَفْسِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي إبْقَاءِ الْحُرْمَةِ، وَنِكَاحُ الْأَمَةِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ بَعْدَ الْحُرَّةِ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَتَبْقَى تِلْكَ الْحُرْمَةُ بِبَقَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ مَضْمُومَةٌ إلَى الْحُرَّةِ، وَفِي هَذَا نَوْعُ ضَمٍّ فِي فِرَاشِ النِّكَاحِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْحُرَّةُ تَعْتَدُّ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَقَدْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ قَوْلُهُمَا، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ، وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ يَقُولُ: هُنَاكَ الْمَنْعُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ حَتَّى يُقَالُ: يَبْقَى ذَلِكَ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْيَمِينِ قُلْنَا فِي الْأَيْمَانِ: الْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ، وَفِي الْعُرْفِ لَا يُسَمَّى مُتَزَوِّجًا عَلَيْهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَلِهَذَا لَا تَطْلُقُ، فَأَمَّا فِي أَلْفَاظِ الشَّرْعِ الْمُعْتَبَرُ الْمَعْنَى، وَمَعْنَى الْحُرْمَةِ بَاقٍ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ مُدَبَّرَةً أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ فِي عِدَّةِ حُرَّةٍ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ فِي هَؤُلَاءِ بَاقٍ، وَحُكْمُهُنَّ فِي النِّكَاحِ حُكْمُ الْأَمَةِ الْقِنَّةِ.
(قَالَ:) رَجُلٌ تَزَوَّجَ خَمْسَ حَرَائِرَ وَأَرْبَعَ إمَاءٍ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute