جَازَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْحَرَائِرِ لَوْ انْفَرَدَ عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ لَمْ يَصِحَّ هُنَا، فَإِنَّهُنَّ خَمْسٌ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ نِكَاحِهِنَّ، وَلَيْسَ بَعْضُهُنَّ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ، فَيَلْغُو ضَمُّهُنَّ إلَى الْإِمَاءِ وَيَبْقَى الْمُعْتَبَرُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ وَهُنَّ أَرْبَعٌ يَجُوزُ نِكَاحُهُنَّ لِلْحُرِّ عِنْدَنَا، فَلِهَذَا جَازَ نِكَاحُ الْإِمَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً وَأَمَةً فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِلْحُرَّةِ زَوْجٌ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْمَنْكُوحَةِ بَاطِلٌ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَحْدَهَا، فَضَمُّهَا إلَى الْأَمَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا سَوَاءٌ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَصِحُّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ وَحْدَهَا يَتَحَقَّقُ ضَمُّ الْحُرَّةِ إلَى الْأَمَةِ فَيَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، فَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهُ بَطَلَ كُلُّهُ، كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: نِكَاحُ الْحُرَّةِ أَقْوَى مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَالضَّعِيفُ لَا يَدْفَعُ الْقَوِيَّ، وَلَكِنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ، بِخِلَافِ الْأُخْتَيْنِ، فَإِنَّهُمَا مُسْتَوِيَتَانِ فَيَنْدَفِعُ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِالْأُخْرَى، تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْأَمَةَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ مَضْمُومَةٌ إلَى الْحُرَّةِ، وَالْحُرَّةُ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ، فَصَارَ هُوَ جَامِعًا بَيْنَ مُحَرَّمَةٍ وَمُحَلَّلَةٍ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الْمُحَلَّلَةِ دُونَ الْمُحَرَّمَةِ.
(قَالَ:) وَإِذَا زَوَّجَ مُدَبَّرَتَهُ أَوْ أُمَّتَهُ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ وَبَوَّأَهَا مَعَ الزَّوْجِ بَيْتًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى خِدْمَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خِدْمَتَهَا حَقُّ الْمَوْلَى وَهُوَ بِالتَّبْوِئَةِ يَصِيرُ كَالْمُعِيرِ لَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مَتَى شَاءَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ شَرَطَ ذَلِكَ لِلزَّوْجِ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا لَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَسْتَخْدِمَ أَمَتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لِلزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ مِلْكُ الْحِلِّ لَا غَيْرُ، فَاشْتِرَاطُهُ شَيْئًا آخَرَ غَيْرُ مُلْزِمٍ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِجْبَارِ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَلَا بِطَرِيقِ الْإِعَارَةِ، فَإِنَّ الْإِعَارَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ.
(قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا أَمَةٌ قَدْ أَذِنَ الْمَوْلَى لَهَا فِي النِّكَاحِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ رَقِّهَا نَوْعُ عَيْبٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعَيْبَ لَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلزَّوْجِ غَيْرَ أَنَّ مَا وُلِدَ لَهُ مِنْ وَلَدٍ فِيمَا مَضَى وَمَا كَانَ فِي بَطْنِهَا فَهُوَ حُرٌّ لِأَجْلِ الْغُرُورِ، وَعَلَى الْأَبِ قِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي يَدِهِ بِصِفَةِ الْأَمَانَةِ مَا لَمْ يُخَاصِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ أَعْلَى حَالًا مِنْ وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ، وَوَلَدُ الْمَغْصُوبَةِ أَمَانَةٌ مَا لَمْ يُطَالِبْ بِالرَّدِّ، فَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ، حَتَّى إذَا مَاتَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَبِ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مَانِعًا لِلْوَلَدِ بَعْدَ الطَّلَبِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْخُصُومَةِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا أَمَةٌ أَوْ مُدَبَّرَةٌ، وَكَذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute