عِنْدَ الظَّنِّ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَا يَشْتَبِهُ فَيَسْقُطُ الْحَدُّ بِهِ، وَعِنْدَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْمَحَلِّ حَقِيقَةً وَلَا صُورَةً وَلَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهِ أَمْرُهَا فَلَزِمَهُ الْحَدُّ، وَإِنْ صَدَّقَهُ الْأَبُ فِي أَنَّهُ وَطِئَهَا وَأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ عَتَقَ الْوَلَدُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ ابْنَهُ مِنْ الزِّنَا عَتَقَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ إذَا مَلَكَ ابْنَ ابْنِهِ مِنْ الزِّنَا، وَلَكِنْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَصْدِيقِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَهُ وِلَايَةُ تَمَلُّكِ جَارِيَةِ الِابْنِ، فَإِنَّمَا يَكُونُ مُسْتَوْلِدًا لَهَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا لِابْنِهِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ فِي جَارِيَةِ أَبِيهِ، فَلِهَذَا لَا يُعْتَقُ الْوَلَدُ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْأَبُ فِيهِ.
(قَالَ:) وَلَا يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ حَتَّى لَا يَخْرُجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِمِلْكِ النِّكَاحِ وَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الرِّقُّ فَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِيهِ سَوَاءٌ كَمِلْكِ الطَّلَاقِ وَمِلْكِ الدَّمِ فِي الْإِقْرَارِ بِالْعُقُودِ، وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَا يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُؤَثِّرٌ فِي تَنْصِيفِ مَا كَانَ مُتَعَدِّدًا فِي نَفْسِهِ كَالْجَلَدَاتِ فِي الْحُدُودِ وَعَدَدِ الطَّلَاقِ وَأَقْرَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحِلِّ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ أَهْلًا لِلنِّكَاحِ، وَذَلِكَ الْحِلُّ يَتَّسِعُ بِزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ وَيَتَضَيَّقُ بِنُقْصَانِ الْحَالِ.
أَلَا تَرَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَخْصُوصًا بِإِبَاحَةِ تِسْعِ نِسْوَةٍ» لِفَضِيلَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي اُخْتُصَّ بِهَا، فَكَانَ الْحِلُّ فِي حَقِّهِ مُتَّسِعًا لِتِسْعِ نِسْوَةٍ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَكَذَلِكَ يَتَّسِعُ الْحِلُّ لِفَضِيلَةِ الْحُرِّيَّةِ فَيَتَزَوَّجُ الْحُرُّ أَرْبَعًا، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ إلَّا اثْنَتَيْنِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الرِّقَّ يُنَصِّفُ الْحِلَّ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي جَانِبِ الْأَمَةِ يَتَنَصَّفُ حِلُّهَا بِالرِّقِّ، حَتَّى أَنَّ مَا يَنْبَنِي عَلَى الْحِلِّ وَهُوَ الْقَسْمُ يَكُونُ حَالُهَا فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الْحُرَّةِ، وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَوْفِي لِهَذَا الْحِلِّ بِغَيْرِ طَرِيقِهِ وَهُوَ الْحِلُّ يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْعَبْدِ بِالزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً، وَعَلَى الْحُرِّ مِائَةُ جَلْدَةٍ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحِلَّ يَتَنَصَّفُ بِالرِّقِّ وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي عَدَدُ الْمَنْكُوحَاتِ فَقُلْنَا: حَالُ الْعَبْدِ فِيهِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حَالِ الْحُرِّ فَيَتَزَوَّجُ ثِنْتَانِ الْحُرَّتَانِ وَالْأَمَتَانِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا لَا يُخَالِفُنَا؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْعَبْدِ نِكَاحَ الْأَمَةِ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِبَدَلٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعْرِيضُ شَيْءٍ لِلرِّقِّ، فَإِنَّهُ رَقِيقٌ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، فَلِهَذَا جُوِّزَ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَلَّلَاتِ مَضْمُومَةً إلَى الْحُرَّةِ فِي حَقِّ الْحُرِّ فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ، وَابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْعَبْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute